القراءة والعمر..

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

مع تقدم القارئ في العمر يصبح أكثر انتقائية في اختيار الكتب، فيذهب إلى اختيار عناوين (مركزة) تلبي حاجته المعرفية التي تنسجم مع عمره وخبرته في الحياة والقراءة، وهنا، يكون اختيار الكتب بطيئاً مبنياً في الأصل على المقارنة الموضوعية بين كتب كان قرأها في شبابه، وبين كتب جديدة يريد أن يكتشف فيها ذاته والعالم برؤية تلتقي مع ما تراكم لديه من نقد أدبي وثقافي يتصل به هو وحده، كأن القراءة في الأعمار المتقدمة تصبح نوعاً من الاحتفاء بالذات أولاً، أو تصبح نوعاً من الاحتفاء بالعزلة الوجودية التي يستشعرها المرء عادة بعد عقود من عمره الذي أمضاه وهو يحلم أحياناً، وأحياناً، وهو يتقمص صورة البطل، وأحياناً، صورة العبثي الوجودي، وأحياناً صورة المتمرد، وإلى آخره من صور قديمة.

كل هذه الصور تصبح خلف القارئ حين يكون في الستين أو السبعين من عمره،.. يصبح ماضيه القرائي قابلاً للنقض والنقد معاً، لا بل إن بعض الكتّاب يضع بعض تراثه الكتابي في مختبر النقد هذا.. وذلك كله في ضوء قراءاته المتدرجة من ماضيه الشاب وإلى حاضره المكتهل.

القراءة، بهذا المعنى الاجتهادي، هي فعل سيكولوجي تماماً إذا أردنا أن نفلسف القراءة على هذا النحو التدرجي المقابل لتدرج عمر الإنسان، والقراءة، أيضاً، بهذا المعنى، هي فعل نقدي معرفي وثقافي قبل أن تكون فعلاً نقدياً أدبياً، فأنت حين يتقدم بك عمرك الثقافي والوجودي والنفسي تصبح لست معنياً كثيراً بالأدب والبلاغة في ذاتهما، بل تصبح باحثاً (صامتاً) عن تلك المعاني والتأويلات والإشارات التي غابت عنك تماماً، وأنت شاب..

القراءة هي العمر. هي العمر الآخر للإنسان الموازي لعمره الزمني، والمفارقة هنا، أن الذين يقرأون، ويمضون حيواتهم في الكتب هم أطول أعماراً من المعمّرين في الزمن.. أولئك الذين لم يقرأوا كتباً وعاشوا طويلاً من دون أن يعرفوا أن الذين عاشوا قليلاً هم أطول عمراً بالكتب، وليس بالزمن..

زمن القراءة طويل حتى ولو كان قصيراً، وبوسع رجل (مثلاً) قرأ ألف كتاب ومات وهو في الثلاثين من عمره أن يكون أطول عمراً من رجل آخر مات في المئة ولم يقرأ كتاباً واحداً في حياته الطويلة تلك..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ez97b4x

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"