التصفيق.. واليدان الفارغتان

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

«إن اليدين الفارغتين هائلتا القوّة، وهما جوهر ممارسة (زِنْ)، فعندما تكون يدانا ممتلئتين، مغلقتين، أو ممسكتين بشيء ما، لن نستفيد منهما بأي شيء، فهما أي اليدان لن تتمكنا من لمس الآخرين، واليدان المغلقتان مثقلتان بكل ما لا تستطيعان التخلّي عنه، ومع تقدّمنا في السن تزداد ممتلكاتنا، وتقسو أيدينا حول كل ما نتمسك به..»

عدت إلى قراءة تلك الصفحة في كتاب (معجزات زِنْ) في الوقت الذي تابع فيه ملايين الأرض خطاب رئيس الوزراء إسرائيلي نتنياهو في الكونغرس الأمريكي. 56 دقيقة من الإلقاء، و 50 دقيقة من الإصغاء والتصفيق. وهي أعلى نسبة تصفيق في الكونغرس، ولم يحظ بها رئيس أمريكي على مدى تاريخ الدولة الأكبر في العالم، وبمعدل حوالي تصفيقة في كل دقيقة.

في المثل الشعبي العربي (كل شيء يزيد عن حدّه.. ينقلب إلى ضدّه..) وشاعرنا العربي يقول.. «لكل شيء إذا ما تمَّ نقصان..»، والتصفيق المبالغ فيه في مثل هذه المشهدية الأمريكية مساء أمس الأول، في الكونغرس إنما يرمز إلى النقصان، لا إلى الاكتمال، هذا عدا عن الرمزيات الأخرى مثل النفاق، والأيديولوجيا، والمال، والمصالح، واللوبيات المتعددة الأغراض، وكل هذا يمكن أن تقرأه في ضوء فكرة اليدين الفارغتين التي بدأت بها هذا المقال.. ولكن كيف؟؟

«كيف»، هذه، سهلة التحليل تماماً إذا قرأت صورتين إعلاميتين تلفزيونيتين بشكل خاص في بحر هذا الأسبوع، على هذا النحو التالي..:

فلسفة (الزن) تقول إن اليدين الفارغتين لا يمكن أن تتمكنا من لمس الآخرين، ولكن يمكن أن تصفقا وتصفقا إلى 50 دقيقة في 56 دقيقة، من دون أن يكون هناك أي ملمس، أي إن التصفيق كان في الهواء الطلق. ويقال هنا إن التصفيق ما هو سوى رذاذ صوت اليد حين تضرب على اليد، بذلك الإيقاع الجسدي الذي يرمز إلى التأييد، والتأكيد، والنفاق.

فلسفة (الزن) تقول أيضاً إن اليدين المغلقتين المثقلتين بكل ما لا تستطيعان التخلّي عنه، أي (القبضة) لا يمكن أن تصفّقا..

لا يمكن لقبضة وقبضة أن تصفقا معاً، ثم إن اليد الفارغة تماماً بأصابعها الخمسة وهي مفتوحة لا يمكن أن تصفق، ولا يمكن أن تلاكم.

مشهد نتنياهو في الكونغرس أمس الأول وفي ضوء إحدى فلسفات الشرق إما أنه ملاكم، أو أنه (صفيق)، وبذلك يكون الرجل قد تجاوز حتى مفاهيم الفكر والتاريخ بتلك الصورة التلفزيونية العالمية التي صنعها إعلام الصورة بمهنية حرفية ربما لن تتكرر أبداً في الكونغرس الذي يفرض عليه تاريخه الثقافي أن يتخلص من حادثة التصفيق، والتلفيق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4xf5xjbh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"