عادي

كوارث المناخ والمواجهة العاجلة

23:24 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - المحرر السياسي:

تتصدر أزمة المناخ التهديدات الكبرى التي يواجهها العالم الذي صار يشهد حدثاً مناخياً استثنائياً كل أسبوع تقريباً، وهو ما يعتبره الخبراء نتيجة طبيعية لتعديات سكان الأرض على مواردها الطبيعية من جهة، وتقاعس القوى القادرة على التحرك حيال اعتماد وتمويل برامج حماية البيئة ومواجهات التغيرات المناخية من جهة ثانية.

لا تزال الكوارث المناخية في تصاعد وتنشر الرعب والدمار في كل قارات العالم. فقد لقي ما لا يقل عن 10 أشخاص حتفهم عندما ضربت العاصفة «سيران» أوروبا الغربية برياح وصلت سرعتها إلى 200 كيلومتر، ما تسبب في فوضى في السفر وإغلاق الموانئ وتعطل الرحلات الجوية والسكك الحديدية. وعطلت العاصفة حركة السفر البرية والجوية والبحرية في بلجيكا، حيث تم إغلاق ميناء أنتويرب، كما تعطلت الرحلات الجوية من بروكسل.

وانقطعت الكهرباء عن نحو 1.2 مليون منزل فرنسي عندما ضربت العاصفة الساحل الشمالي الغربي. وظل ما يقرب من 700 ألف شخص بدون كهرباء مساء الخميس. وقالت هيئة الأرصاد الجوية الوطنية ميتيو - فرانس إن هبوب الرياح في منطقة بريتاني الغربية كان استثنائياً، حيث حطمت العديد من الأرقام القياسية. وبلغت سرعة الرياح 207 كيلومترات في الساعة في بوانت دو راز على طرف الساحل الشمالي الغربي.

وتُجري إيطاليا حساباتها لمعرفة كلفة الظواهر الجوية القاسية التي اجتاحت البلاد هذا العام، وألحقت أضراراً كبيرة بالمناطق الحضرية، ودمرت المحاصيل في مناطق مختلفة. من المتوقع أن تصل آثار هذه الكوارث إلى مليارات اليوروهات، حيث تواجه أكبر شركات التأمين مطالبات تتجاوز 3 مليارات يورو (3.2 مليار دولار) بسبب الفيضانات والأعاصير التي ضربت فينيتو وإميليا.

أعصار «أوتيس»

من جهة أخرى وجد العالم نفسه في أعقاب إعصار «أوتيس» المدمر أمام لحظة محورية في تاريخ العواصف المطرية وآليات التنبؤ بالطقس. فقد بلغت سرعة رياح الإعصار عند الشاطئ 165 ميلاً في الساعة ورافقتها أمطار غزيرة، حيث تضررت مدينة أكابولكو الساحلية بالمكسيك، وقضى ما لا يقل عن 48 شخصاً.

كانت السرعة التي تكثف بها «أوتيس» غير مسبوقة. وفي غضون 12 ساعة، تحول الإعصار من عاصفة استوائية عادية إلى إعصار من «الفئة 5»، وهي الفئة الأقوى، والتي قد تحدث مرتين أو ثلاث مرات فقط في جميع أنحاء العالم كل عام.

وهذا الحدث النادر والمثير للقلق، والذي وصفه المركز الوطني الأمريكي للأعاصير بأنه «سيناريو كابوس»، حطم الأرقام القياسية لأسرع معدل هطول خلال فترة 12 ساعة في شرق المحيط الهادئ.

في المقابل عانت أجزاء من شرق إفريقيا أسوأ موجة جفاف منذ 40 عاماً، ما أدى إلى نزوح ما يقرب من 1.2 مليون شخص في الصومال وحدها.

«كوب 28».. جهود وحلول

لا شك أن التحديات هائلة، ولكنها ليست مستعصية على الحل، لكن يجب على العالم بداية الاستثمار في تطوير المزيد من محطات مراقبة الطقس، وتكنولوجيا الأقمار الصناعية، وأدوات الذكاء الاصطناعي، وأبحاث الغلاف الجوي، وعلوم المحيطات.

وتستمر الجهود العالمية في البحث عن الحلول لأزمة التغيرات المناخية وحماية البيئة خاصة من خلال دورات انعقاد مؤتمر الأطراف للحكومات التي وقّعت على اتفاقية الأمم المتحدة الأصلية للمناخ في عام 1992. ويحمل المؤتمر اسم «كوب» ويمثل السلسلة المستمرة من تلك الجهود وسط تحقيق منجزات لا تزال خجولة، لكن المؤتمر يطمح إلى تحقيق المزيد خلال دورته لهذا العام «كوب28» التي تستضيفها دولة الإمارات العرية المتحدة في الفترة من 30 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/ كانون الأول 2023.

ومن المأمول أن يساعد المؤتمر على الحفاظ على هدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية على المدى الطويل إلى 1.5 درجة مئوية. وقد تم الاتفاق على ذلك من قبل في باريس عام 2015.

يعد هدف 1.5 درجة مئوية أمراً بالغ الأهمية لتجنب التأثيرات الأكثر ضرراً لتغير المناخ، وفقاً لهيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة، الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

ومع ذلك، فإن العالم يسير باتجاه ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 2.5 درجة مئوية بحلول عام 2100 حتى مع التعهدات الحالية لمعالجة الانبعاثات. وتقول الأمم المتحدة إن الفرصة المتاحة للحفاظ على حد 1.5 درجة مئوية «تضيق بسرعة».

وسوف يركز مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، إضافة إلى التقدم نحو تحقيق أهداف باريس الحالية، على تسريع الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، من أجل «خفض» انبعاثات الغازات الدفيئة قبل عام 2030، وتخصيص الأموال اللازمة للعمل المناخي من البلدان الأكثر ثراءً إلى البلدان الفقيرة، والعمل على التوصل إلى اتفاق جديد بشأن دعم الدول النامية.

ويعد «كوب 28» المؤتمر الأكثر شمولاً على الإطلاق نظراً لتركيزه على الطبيعة والبشر، مع تخصيص جلسات لبحث قضايا تشمل الصحة، والتمويل، والغذاء، والطبيعة.

وقد وُجهت الدعوات لأكثر من 200 حكومة، بمن فيهم الولايات المتحدة والصين والهند. ويشارك رئيس وزراء المملكة المتحدة ريشي سوناك، وأكد قصر باكنغهام أن الملك تشارلز سيحضر أيضاً وسيلقي كلمة افتتاحية أمام المندوبين في الأول من ديسمبر/ كانون الأول. كما تشارك أيضاً الجمعيات الخيرية البيئية، ومنظمات المجتمع المدني، ومراكز الفكر، والشركات، ومرجعيات دينية.

ويشير نشطاء المناخ إلى أن تقييد الاتفاقيات بشرط التخلص من الوقود الأحفوري سريعاً من شأنه أن يسمح بمواصلة بعض الإنتاج. ويقولون إنه لا يوجد ضمان بأن احتجاز الانبعاثات سيعمل على نطاق واسع.

وكان مؤتمر الأمم المتحدة السابق «كوب 27» الذي عُقد العام الماضي في غلاسكو في المملكة المتحدة قد وافق على إنشاء صندوق «الخسائر والأضرار» بحيث تتمكن الدول الغنية من دعم الدول الفقيرة مالياً لتعزيز قدراتها على مواجهة آثار تغير المناخ.

ويتهم منتقدو مؤتمرات الأطراف السابقة بممارسة «الغسيل الأخضر»، أي أن البلدان والشركات تعمل على تعزيز أوراق اعتمادها المناخية دون إجراء التغييرات اللازمة. لكن اجتماعات زعماء العالم المتتابعة ومناقشاتهم خلال تلك المؤتمرات توفر إمكانية التوصل إلى اتفاقات عالمية تنعش الآمال بسرعة التحرك والتنسيق الجماعي، وتتجاوز التدابير الفردية لكل دولة على المستوى الوطني.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2n59e2y9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"