محذوران في الترجمة

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
في توطئته لترجمته كتاب «التكرار» لمؤلفه الدانماركي سورن كيركورد، يشير المترجم قحطان جاسم إلى نمطين في الترجمة، أوّلهما يتوخى الترجمة الحرفية، والثاني يشتغل على مقاربة المعنى والعمل على نقله إلى اللغة الأخرى التي ترجمه إليها. ولكل من المنهجين محاذيره، فالأول وهو يسعى إلى البحث عن مفردة تقابل المفردة الأجنبية، يكون عرضة للابتعاد عن دلالة المفردة الواردة في الأصل، فليس ما يقابلها في اللغة المترجم إليها هو بالضررورة يحمل المعنى نفسه، «فغالباً ما تفقد الإحساس في الأصل»، والمنهج الثاني يتوخى التعامل مع محتويات العبارة المترجمة في سياقها العام، وفي مثل هذه الحال قد ينزلق المترجم إلى متاهات بإضافة مفردات أو منحها معاني لا تنتمي إلى النص الأصلي، اعتقاداً من المترجم أنه يعمل على تقريب المعنى إلى القارئ، ولكنه، من حيث لم يُرِدْ، قد يبعد به عن روح ذلك النص، وبالتالي فإن ما يصل إلى القارئ، بعد الترجمة، هو غير ذاك الذي أراد المؤلف إيصاله.

قد يفطن القارئ الحصيف إلى ما يعتري النص المترجم من إرباك، خاصة في حال الترجمة الحرفية، فيلمس ركاكة العبارة أو شحنة التعقيد فيها، وقد ينفره ذلك من قراءة الكتاب، حين يفتقد فيه السلاسة وتدفق المعنى، واستعصاء الإمساك بالفكرة، ولكن نفس هذا القارئ الحصيف قد ينطلي عليه الأمر، حين تكون الترجمة مبنيّة على الأسلوب الثاني، غير المعنيّ بحرفية الترجمة، وإنما بدلالات المفردات والعبارات، عندما يجنح المترجم إلى الخروج عن «روح» النص الأصلي، فلا يفطن القارئ إلى أن ما يقرأه ليس هو المعنى الذي قصده مؤلف الكتاب المترجم الذي بين يديه، بعد أن تدخل المترجم فيه متجاوزاً حدوده كمترجم.

في كلتا الحالين يمكن أن نعزي الأمر إلى عدم تمكن المترجم من اللغة التي يترجم منها كفاية، وفي بعض الحالات قد لا يكون متمكناً بما يكفي حتى من اللغة التي يترجم إليها حتى لو كانت لغته الأم، فمثل هذا التمكن من اللغتين هو وحده ما يجعل المترجم مقنعاً فيما يترجم، لإدراكه لجوانب كثيرة في الأمر، في مقدمتها معرفة الفروق في البنية المختلفة لكل لغة عن الأخرى من جهة، والإمساك أيضاً بالدلالات المختلفة للمفردة الواحدة في كل لغة، فليس ضرورياً أن يتطابق المعنى.

أعطى المترجم قحطان جاسم مثالاً بالمفردة التي اختارها عنواناً لترجمته لكتاب كيركورد: «التكرار»، ملاحظاً أن مترجمين عرباً آخرين اختاروا بديلاً لها مفردات من نوع: استرجاع، استعادة، الرُجْعى، وهي بتقديره مفردات تظلّ عند حدود الاستخدام اليومي، ولا تعكس المفهوم الفلسفي الذي عناه المؤلف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ttyffv8

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"