بيت الحكمة بالشارقة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

عبارتان تلحظهما عين الزائر لبيت الحكمة في الشارقة، خطتا على أحد أمكنته. الأولى لمحمود عباس العقّاد وتقول: «أحبّ الكتاب لا لأنني زاهد في الحياة، ولكن لأن حياة واحدة لا تكفيني»، وعبارة أخرى لنجيب محفوظ، يُفرّق فيها بين المتعلم والمثقف، حيث يقول: «قارئ الحرف هو المتعلم وقارئ الكتب هو المثقف».

وكنت محظوظاً بزيارة هذا البيت الذي يحتفي بالثقافة والكتب، وأتت الزيارة معيّة مجموعة من ضيوف الدورة الحالية لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، عرباً وأجانب، نظمّها القائمون على المعرض، ورغم أني قرأت وسمعت عن «بيت الحكمة»، وأتيت على ذكره في مقالات سابقة، بينها المقال الذي تناولت فيها احتفاءه بأديب المهجر، جبران خليل جبران، بإقامة معرض للوحاته، لكن أن ترى المكان بأم العين، وتطوف في ممراته وفضاءاته، وتجاور رفوف الكتب فيه، وتمّر أمام الشبان والشابات المنهمكين في قراءة المراجع فيه، وأن ترى أمام بوابته النصب الرائع: «المخطوطة»، فالأمر يختلف، ف«بيت الحكمة» مركز ثقافي متطوّر، مزوّد بأحدث التقنيات، التي تجعله يتجاوز المفهوم التقليدي للمكتبات العامة، أو فلنقل إنه يجمع بين صورة ووظيفة مثل هذه المكتبات وبين دور المنصة الاجتماعية الحديثة، وهي توظف لخدمة التعليم والمعرفة، فهو قد صمم ليكون نموذجاً عن مكتبة المستقبل التي تجمع بين مصادر المعرفة التقليدية والرقمية.

وليس اسمه وحده ما يذكر ببيت الحكمة الذي بني في عهد الخلافة العباسية في بغداد، وكان له كبير الدور في نقل المعارف الفلسفية والفكرية إلى اللغة العربية من الإغريقية وسواها من اللغات، وفي تحفيز التفاعل بين الثقافات والحضارات، وهي الرسالة التي يحتاجها العالم اليوم، ربما أكثر من الماضي، وهي نفسها الرسالة التي حرصت الشارقة بتوجيه وإشراف مباشر من حاكمها المثقف الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على تجسيدها، سواء من خلال هذا البيت، أو من مجمل البنى الثقافية والتربوية والأكاديمية في الإمارة، وما تشهده من فعاليات ثقافية وفنية متنوعة على مدار العام، وهذا ما تؤكد عليه النبذة المنشورة عن هذا الصرح، التي تؤكد أنه بمثابة «نسخة عصرية مبتكرة لاستعادة الحضارة من خلال توفير مركز معرفي يقصده الجميع لإثراء قدراتهم ومعارفهم ومهاراتهم»، معتمداً على أحدث التقنيات وأكثرها جاذبية، مقدّماً مفهوماً جديداً للقراءة والتفاعل الاجتماعي بين الفئات والأعمار والجنسيات كافة.

تحوي المكتبة الضخمة في «بيت الحكمة» نحو 100 ألف كتاب وقاعات للحوار والنقاش، وأماكن مخصصة للقراءة، سواء داخل المبنى أو في حدائقه المنسقة والمزروعة بأشجار فريدة، إلى جانب مقهى ومطعم وحدائق، وقاعات داخلية للأطفال. في كلمات يجد الزائر لهذا الصرح نفسه في تطواف ثقافي ثري يرسخ في الذاكرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yeyx3nfw

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"