عادي

«ليلة العيد».. نصوص تراوغ الواقع

23:44 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

لعل من أهم أسباب تفوق السرد النسائي الإماراتي، في مجال القصة تحديداً، هو ذلك التوق وتلك الرغبة في قول مختلف، هو التاريخ الاجتماعي كما ترويه النساء، فتلك لا شك رواية لها خصوصيتها نسبة إلى الدور المركزي للمرأة في أي مجتمع، بالتالي يأتي السرد محملاً بالرؤى الفكرية، وذلك ما تؤكده مسيرة الكاتبات الإماراتيات مع الأدب بصفة عامة والسرد بشكل أكثر خصوصية.

«ليلة العيد»، هي مجموعة قصصية للكاتبة فاطمة المزروعي، وصدرت في طبعتها الأولى عام 2003، عن دائرة الثقافة في الشارقة، وهي أول إصدار أدبي للكاتبة.

يضم الإصدار الكتابات الباكرة لفاطمة المزروعي التي شقت لنفسها طريقاً خاصاً من حيث الأسلوب وطريقة التناول، فالنص ينهض برافعة النظرة المتعمقة في القضايا الإنسانية والمجتمعية، وذلك لأن المؤلفة لم ترتبط بواقعها فقط، بل انفتحت نحو الإنسانية بصورة عامة، وجعلت من همومها محوراً لكتاباتها، إضافة إلى رصد الواقعي الاجتماعي بكل ما يعج من تناقضات وتفاصيل مختلفة، وبصورة خاصة قضية المرأة، والملاحظ في الكثير من الكاتبات الإماراتيات أن السرد عندهن، رواية أو قصة قصيرة، ليس فقط مجرد مجال للشكوى والبوح الشفيف، رغم جماليات ذلك المنحى، لكن الأهم دائماً عندهن الاندفاع نحو الكتابة كقضية ومسؤولية تجاه المجتمع بصورة عامة، وهذا ما نراه بصورة واضحة في هذه المجموعة التي تغوص عميقاً في قضايا المرأة والمجتمع.

إضاءة

في هذه المجموعة تواصل المزروعي فعل إضاءة العتمة على الكثير من الأماكن المظلمة في الماضي انتصاراً للمرأة ونقداً للتقاليد القديمة التي شكّلت سلطة عليها سنوات عدة، فهذا النوع من الكتابات يحمل دعوة لأن تحتل المرأة مكانة أفضل، كما أن الكاتبة تعرّج على أشكال مختلفة من الهموم المتعلقة بالنساء، مثل الطلاق والزواج والحب وغير ذلك، إذ إن النصوص القصصية تنهض كمنصة نقدية، تنتصر لمكانة المرأة وموقعها ومركزها، وتقول الكاتبة عن ذلك المنحى: «لقد تناولت أنماطاً مختلفة من النساء اللواتي يعانين بسبب المجتمع، وأتوقع أن الكاتبة العربية قادرة اليوم على الكتابة عن همومها ومشاكلها وأوضاعها، وقد رأينا الكثير من الكتابات التي تناولت قضايا المرأة واستطاعت صاحباتها تغيير الأوضاع في مجتمعاتهن»، ولعل ما يميز فاطمة هو إقبالها على تلك المهمة الجمالية والفكرية بصورة رصينة، تعلي في أحايين كثيرة من بعض القيم والمثل التي يتبناها المجتمع، فغني عن الذكر أن مسألة تمكين المرأة هي ضمن استراتيجية الدولة منذ التأسيس في ما يتعلق بالواقع الإماراتي، حيث عمل قادة الدولة على توفير مكانة خاصة للنساء، فكان أن تولين المناصب القيادية.

الكتاب يقع في 88 صفحة من القطع الصغير، ويضم 9 نصوص، هي: «زهرة للعشق»، «شمس الليل»، «بقايا تحت التراب»، «نجم الشمال»، «الطوق»، «عصافير المساء»، «الأعمى»، «أحلام ملونة» و«ليلة العيد»، وجاء تصميم الغلاف وهو يحمل لوحة تشكيلية تشير إلى العوالم النفسية القاتمة لأجواء العديد من النصوص داخل المجموعة، وتلك عتبة نصية مميزة تقود إلى مواضيع الكتاب المتنوعة والتي تتناول عدداً من القضايا الاجتماعية المختلفة بزوايا تشير إلى حس الالتقاط عند الكاتبة، وكذلك يشعر القارئ بالبعد الشاعري في اختيار العناوين، وربما يعود ذلك للتجربة الشعرية عند المؤلفة.

نقد

التجربة القصصية عند فاطمة المزروعي وجدت الكثير من القبول عند القرّاء والنقاد، حيث تم تناول هذه المجموعة، إضافة إلى عدد من إصداراتها القصصية والروائية من قبل عدد من المختصين على رأسهم الناقد هيثم يحيى الخواجة في مؤلفه «فاطمة المزروعي وتشظيات الإبداع الأدبي»، وذلك يشير إلى الأثر الذي أحدثته نصوص الكاتبة، فالخواجة يلفت إلى أن قراءة النتاجات الإبداعية عند فاطمة المزروعي تعني فوائد لا حصر لها، حيث إن قصص الكاتبة ورواياتها ذات وجوه متعددة ومختلفة لأطروحات واعية، وحوار يتغلغل في النفس الإنسانية التي تنتصر للحقيقة، وترغب في أن تقف منذ الطفولة ضد من يظلم، أو يجهل معنى الحياة وإنسانية الإنسان، ويوضح الخواجة أن المزروعي استطاعت أن تشق لنفسها طريقاً مختلفاً، ورؤية جمالية وفكرية، إذ إن في أعمالها جدة وتجديداً وابتكاراً وابتعاداً عن التكرار، وهو منهج تنتهجه المؤلفة بإصرار حتى لا تكون مقلدة للآخرين.

أسلوب

عملت المزروعي في بعض نصوص مجموعتها القصصية على تصوير المجتمع بصورة إبداعية محتشدة بالأفكار والرؤى التي تخدم البعد الجمالي، بطريقة رصينة تعمل على تناول العلاقات الاجتماعية والأبعاد النفسية بصورة مختزلة ومكثفة تقود إلى المعنى مباشرة، وفي نصوص أخرى تعمل على مراوغة الواقع، ويظهر ذلك الأمر من خلال الحوارات ورسم وصناعة الشخوص والأبطال، وإثارة الأسئلة، فالشخصيات في هذه المجموعة، سواء كانت من الرجال أو النساء، مهجوسة بالظنون، ومهمومة بمصارعة الحياة، يسكنها القلق وربما الخوف، أو نسيج من مشاعر متناقضة، لكنها على كلٍّ تخوض معركة العيش، وتسير في دروبها المظلمة، في عصر كاد فيه الإنسان يفقد جوهره الإنساني والاجتماعي.

توظف الكاتبة في المجموعة القصصية، لغة شاعرية تكمن جماليتها في عقد الاستعارات والتشبيهات والمفردات المترعة بالجمال، ونقرأ في قصة «زهرة العشق»، هذا المقطع اللافت: «منذ رحيلك يا حبيبتي والأقدام الغليظة تدوس أرضي الخاوية، تستوطن بأسلحتها المدمرة حدائق روحي»، وفي قصة «شمس الليل»، نقرأ: «يكاد الوهن يحرق كل بقايا أمل داخله، يكبر الصمت وتتسع دائرة الأسئلة، وتبقى بلا جواب يطفئها»، وهذا المقطع يحمل أبعاداً فلسفية، فالإنسان دائماً ما يواجه لحظات الصمت المثقلة بالحيرة بفيض من الأسئلة، أما في قصة «بقايا تراب»، فنقرأ: «خلف الليل دائماً غيوم حبلى بالآهات، الليل دوماً يأتي على قريتي، أعتبره زائراً وديعاً يحمل بين جناحيه غموضاً لا ينتهي»، وفي كل تلك المقاطع يلاحظ القارئ ذلك الحزن والشجن الذي يسكن أجواء النصوص.

عنوان الكتاب مأخوذ من إحدى قصص المجموعة «ليلة العيد»، ولئن كان العيد يحمل الفرح والأمنيات الجميلة، لكنه في بعض الأوقات يحمل مفاجآت غير سارة، تنطوي على فكرة تناقض الفرح، كان من المؤمل أن تكون ليلة العيد في القصة أنشودة لمطر الأحلام والأمنيات السعيدة والاستبشار بتحقيق الآمال العريضة، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد كانت ليلة للدموع والحزن، لكن الأمنيات ربما لا تتحقق في الواقع، بل يحملها حلم جميل، ونقرأ في خاتمة القصة: «بعد شهرين، أقسم أكثر أهالي القرية أنهم عند غروب الشمس، كانوا يشاهدون ظل جسدين، هناك عند شجرة الزيتون العملاقة، تنطلق ضحكاتهما الموسيقية الناعمة، وهما يرسمان معاً، عالماً أجواءه من الرومانسية والحب».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/j9ppfpaw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"