النظام الدولي الراهن وضمانات الأمن

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

في الوقت الذي كان يعيش فيه المعسكر الاشتراكي تحولات متسارعة، أفضت إلى سقوط جدار برلين، وتواري الاتحاد السوفييتي، وتفكك منظومته الشرقية بمكوناتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، بشّر الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب العالم في عام 1990 ببزوغ «نظام دولي جديد» مبنيٍّ على التعاون والإخاء واحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى الحسم مع كل المخاطر المحدقة بالسلم والأمن الدوليين، وخالٍ من الإرهاب، وتستأثر فيه الأمم المتحدة بمكانة وازنة وفاعلة.

يحيل «النظام الدولي» إلى دلالات مختلفة، فعلاوة على كونه يعبّر عن شكل لتوزيع القوى بين الفاعلين الأساسيين في العلاقات الدولية، فهو يرتبط أيضاً بوجود قواعد وضوابط تؤطر التفاعلات الدولية، وعادة ما يهدف النظام الدولي، سواء كان تعددياً أو ثنائياً أو أحادياً إلى إرساء قدر من الاستقرار والأمن في سياق التوازنات السائدة.

وعلى علاقة بهذا الموضوع، صدر أخيراً عن مركز تكامل للدراسات والأبحاث، مؤلف مهم للدكتورة مليكة الزخنيني، تحت عنوان: النظام الدولي.. أي ضمانات للأمن؟ تتساءل فيه الباحثة عن مدى قدرة النظام الدولي الراهن على ضمان الأمن الدولي.

ينطوي المؤلف على أهمية علمية كبيرة، لكونه يقدم إطاراً مرجعياً يرصد مختلف المفاهيم كالنظام الدولي والأمن، ويرصد مجمل التحولات التي شهدها العالم منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، بعد نهاية نظام الثنائية القطبية، وبروز واقع دولي جديد، وتسليط الضوء على «النظام الدولي الراهن» وعلاقته بالأمن الدولي، ويحاول طرح إجابات واضحة على ضوء الممارسات الدولية، بصدد تحقّق رهان الأمن الذي شهد تطوراً كبيراً، مع تعقد القضايا الدولية، وبروز تهديدات من قوى غير «دولاتية»، ومخاطر غير عسكرية بيئية ورقمية ووبائية عابرة للحدود، خصوصاً من منطلق أن النظام يُقاس بمدى قدرته على تقليص هامش الفوضى.

كما لا تخفى أهميته أيضاً، مع تأرجح المواقف بشأن حقيقته وطبيعته، وما إذا كان فوضوياً أو يرسخ السلم، ومع الطموحات التي أصبحت تبديها كل من الصين وروسيا تجاه إرساء نظام تعددي يتيح لهما المشاركة بمكانة دولية تنسجم مع إمكاناتهما ووزنهما.

بعد أن خلصت الباحثة إلى أن نظام الثنائية القطبية الذي برز بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، نجح في تجنيب العالم مخاطر حرب شاملة جديدة، لاحظت أن عالم ما بعد الحرب الباردة ظلّ محكوماً بظاهرة العولمة التي همّشت مفهوم الحدود والخصوصية والمجالات المحجوزة، مع السماح بتدفق السلع والخدمات والمعلومات وتقلص أدوار الدولة، وأبرزت أن النظام الدولي الراهن أضحى في مواجهة ظواهر أمنية تتجاوز البعد العسكري لا تخلو مقاربتها من تحديات وصعوبات، في ارتباط ذلك بتطور وانفلات مفهوم الأمن، وخصخصة الحروب بفعل توجّه عدد من أطراف النزاعات المسلحة في السنوات الأخيرة إلى توظيف الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، لأجل القيام بمهام عادة ما كانت تقوم بها قوات مسلحة نظامية، ما طرح إشكالات معقدة، في ما يتعلق بإنفاذ قواعد القانون الدولي بشكل عام، ومقتضيات القانون الدولي الإنساني على وجه الخصوص.

وقد خلص الكتاب إلى طرح مجموعة من النتائج التي يمكن إجمالها في الإقرار بأن العالم لا يبدو في أحسن الأحوال أمنياً، مع بروز مخاطر جديدة وقوى نووية صاعدة، كما أن ظهور السوق كفاعل إلى جانب الدول، أثّر بشكل كبير في صناعة القرار العالمي وترتيب الأولويات.

بينما لوحظ أن منظومة القيم الليبرالية التي كرّسها «النظام الدولي الراهن» والمتزامن مع الثورة التكنولوجية، يشجع على بروز «تقوقعات هوياتية» لا تخفى تأثيراتها السلبية في الأمن الدولي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mshrzuun

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"