عادي

الثورة التكنولوجية..وحش العزلة ينفلت من عقاله

14:33 مساء
قراءة 5 دقائق
الثورة التكنولوجية..وحش العزلة ينفلت من عقاله

الشارقة: علاء الدين محمود

تعيش الإنسانية في هذا العصر الحديث نوعاً من الوحشة والوحدة؛ بسبب المتغيرات الكبيرة التي طرأت؛ نتيجة الثورة التكنولوجية، والتي أحدثت نوعاً من التشظي، وكادت أن تقضي على الحياة الجماعية، وبرزت الفردانية بصورة كبيرة، وهو أمر أغرى الكثير من الكتّاب حول العالم، للكتابة عن الوحدة والإنسان في زمن العزلة. ويتناول كتاب «الوحدة... العزلة القاتلة التي لا تميزا أحداً»، للكاتب جمال حسن الزيودي الصادر في طبعته الأولى في عام 2023، عن دار تنوين للنشر والتوزيع، قضية العزلة عبر مداخل متعددة، باعتبار أن الوحدة أحد مظاهر الحياة في عصر العولمة والسرعة وسيادة ثقافة الاستهلاك.

يشير الكتاب إلى أن الوحدة هي ذلك العيش في ظل الصمت، وهي المرادف للعزلة التي تلاحق كل أنواع البشر على وجه الكرة الأرضية، غير أن الكتاب يغوص عميقاً في جوانب مفيدة من الوحدة، وهي تلك اللحظات التي نمضيها بمفردنا في التقرب من الله، تعالى، فهو الذي يُرتجى عند الشدائد، وهو المنجي من الهم والغم والعزلة، ويطوف الكتاب في جوانب مختلفة من الحياة، ويحذر من الكثير من الصفات السيئة التي قد يكتسبها المرء، بسبب الوحدة.

الغلاف

الكتاب يقع في 140 صفحة من الحجم المتوسط، ويحمل العديد من العناوين؛ مثل: «الحب»، و«الغربة»، و«السكون»، و«النوم»، و«الطلاق»، و«البكاء»، و«الشهرة»، و«الكذب»، و«الفراق»، و«الوظيفة»، و«الساحر»، و«الكاتب»، و«المجهول»، و«الكره»، و«الخيانة»، وتشكل معظم هذه العناوين ثيمات تحاول أن تحيط بموضوع العزلة، وجاءت معظم مواضيع الكتاب بصورة مكثفة؛ إذ يحاول المؤلف أن يصل إلى المعنى مباشرة، من خلال الشرح البسيط للكثير من القضايا التي تتصدر مشهد عصرنا الراهن، كما يعمل على توضيح أن الكثير من العادات اليومية السلبية، تسهم في عزلة الإنسان في واقع اليوم، والكتاب يعمل على التعمق في آثار العزلة في البشر في كل أنحاء العالم، كما يخلص المؤلف إلى أن الغربة الحقيقية، هي اغتراب الإنسان عن خالقه، فتلك الجرعات الإيمانية يسربها الكاتب بيسر في نصوص الكتاب، مع توظيف لغة واضحة؛ وهو الأمر الذي يشير إلى أن الكاتب يريد أن تصل رسالته إلى أكبر قدر من الناس.

في العديد من نصوص الكتاب، يعمل المؤلف على إثارة العديد من الأسئلة من أجل شد القارئ، وإشراكه في التفكير في المعاني التي ينشدها، فهو يطرح سؤال الوحدة وأسبابها، ولماذا يعيش الإنسان، في بعض الأوقات الوحدة والعزلة القاتلة مع نفسه، ولا يجد أحداً يبوح له، ويتحدث معه؛ ليخفف عن ثقل دواخله؟ ولماذا يعم الصمت في وقتنا الحاضر؟، وهي أسئلة تحمل رؤية الكاتب نفسه الذي يحاول أن يصل إلى إجابات محددة لا تخلو من نواحٍ فلسفية؛ إذ يشير إلى أنواع وأشكال من الوحدة، فهناك العزلة التي يثيرها كل من الحب، أو الحرب أو المرض، أو الغربة، وفي كل تلك الأحوال، فإن الإنسان يجد نفسه في مواجهة الصمت التام.

ويلفت الكتاب إلى سيادة الوحشة في عالم متقلب وغير مفهوم، ولا يوجد فيه استقرار لا في العلاقات الاجتماعية، ولا على مستوى الوظيفة، ما يؤدي إلى غياب الأمان؛ وذلك الأمر هو المسؤول بصورة كبيرة عن ظهور الفردانية والتشظي، ويستمر الكتاب في تناول تلك الوقائع والقضايا بصورة أقرب إلى هجائية روح العصر، غير أن هناك على الدوام مخرجاً من ذلك الظلام وتلك العزلة، ويكمن ذلك في الإيمان والاقتراب من الله، تعالى، فلا ملاذ إلا باللجوء إليه ومناجاته من تقلبات الزمن.

  • * ترتيب أوراق

لكن الوحدة، بحسب الكتاب، ليست في كل الأحوال سيئة، إذا ما قام الإنسان بالاستفادة منها على نحو يخدم حياته ووجوده؛ فالوحدة مع النفس مفيدة في بعض الأحيان من أجل إعادة النظر، في سياق ترتيب المرء لأوراقه من جديد، فهي فسحة للتأمل في حياته، من الممكن، لو وظفت بصورة جيدة، أن تقود إلى نجاحه في كثير من الأشياء التي فشل فيها من قبل، أو تغيير وجهة نظره في العديد من الأمور الحياتية المتعلقة به، فقد يلجأ الشخص إلى وحدته من أجل أن يفكر ويتعمق في أفكاره، بالتخطيط لمستقبله بنظرات ثاقبة، فهي بمنزلة فرصة للمراجعة والانطلاق من جديد.

ويتناول الكتاب بعض الثيمات والقيم، ويقف حيالها متأملاً، فالحب بالنسبة للمؤلف هو شعور غريب، فهو: «دقات قلب لا تتوقف، ونظرات حب قوية وثاقبة، هو ملحمة الإنسان التاريخية، والحب هو تلك الكلمة التي قد قد تودي بحياة الكثيرين من المحبين والعاشقين، فكم من حبيب تعب وشقي في سبيل كسب معشوقته، وجنونه لملاقاتها وهي بعيدة عنه، وكم من حبيب هلكت روحه ووهب حياته وسنينه كلها للبحث عن محبوبته التي خطفت منه بغمضة عين. نعم، هذا هو الحب اللعين الذي يقطع فؤاد العاشق المحب والسجين»، فالحب نفسه هو سجن كبير، وفقاً للكتاب، بالتالي هو شعور ينتمي إلى عالم العزلة، ويشبه الكتاب الحب بالقاتل للبشر، يتسلل إلى الفرد في ليل الوحدة المظلم؛ لينال منه، عندما يكون الإنسان في تلك اللحظة وحيداً مع مشاعره وهواجسه وظنونه بانتظار الفرج الذي يبحث عنه، لكسب حبه الذي انتظره سنوات من دون كلل وملل، فهو يعيش وحيداً يعاني ويلات العشق القاتل، وليس أمامه إلا خيارين أحلاهما مر، فإما نسيان هذا الحب وإكمال حياته والمضي قدماً، وإما أن يختار الموت؛ لينسى حبيبته إلى الأبد، ويشير المؤلف إلى أن أكثر وأشد أنواع الوحـدة، هـي عنـدما يعيش الإنسان قصة حب ويرسم لها خيالات عدة، وفجأة يتبدد الحلم، وتطير كل أحلامه عبثاً وينتهـي كـل ذلك.

  • * غربة

يتطرق الكتاب كذلك إلى الغربة، باعتبارها من أشكال العزلة القاسية، فهي ذلك الوحش الذي يخاف منه الجميع، وهي الوحدة التي يحيط بها البؤس الشنيع، فالغربة تتغلغل في الروح، وتلتصق بها، وتسلم المرء إلى حياة الصمت الرهيب عندما يكون بعيداً عن أحبائه وأهله ووطنه؛ حيث يعيش الإنسان متقلباً في الجمر في بلاد مختلفة في ثقافتها وعاداتها وتقاليدها عن وطنه الأم، لأن ظروف الحياة أجبرته على مفارقة دياره، لأسباب عديدة؛ مثل: الدراسة أو العمل.

ويتحدث الكتاب كذلك عن مفهوم «السكون»؛ كونه يعد من مترادفات الوحدة والعزلة، فهو عبارة عن صمت رهيب مطبق، لا يسمع المرء فيه غير دقات قلبه التي لا تتوقف جرّاء الخوف والرهبة، الأمر الذي يتعب الروح والقلب، وقد يدخل الإنسان في دوامة من التخيلات، وقد يكون نهاية ذلك المطاف هو الجنون، والكتاب في تناوله لتلك الموضوعات والمفاهيم، يطالب الإنسان الذي يتعرض لتجارب الوحدة سواء بسبب الغربة أو الحب أو غير ذلك، أن يقاوم تلك العزلة وألا يستسلم لها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/23c3d5z5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"