عادي

«كوب 28».. العدّ التنازلي نحو الاتفاق

23:36 مساء
قراءة 4 دقائق

د. نيللي كمال الأمير*

تزيد فاعلية مواجهة تغيّر المناخ مع تعزيز قدرة الدولة على الصمود، في رسم وتنفيذ سياسات وتعهدات تستهدف التكيّف، أو التخفيف، أو تتعامل بقدر يسمح بالحد من التعرض لآثار تغيّر المناخ المتشابكة. ينطبق الأمر كذلك على «كوب 28» الذي يواجه تحديات، شأنه شأن كل قمم المناخ.

بدأت أعمال المؤتمر بالحديث عن قائمة التحديات التي يتعين على «كوب 28» التعامل معها، حيث أكد رئيس المؤتمر على تحويل التحدي إلى «فرصة»، من خلال إرساء الثقة والشراكة والواقعية، مع عدم إغفال هدف 1.5 درجة مئوية، فيما توقف وزير خارجية مصر، عند انخفاض تدفقات تمويل المناخ، واستغلال الوقود الأحفوري من قبل البلدان التي تدعو إلى التخفيض التدريجي، والتدابير الأحادية الجانب، وأثر ذلك في «تآكل الثقة» في النظام المناخي.

فيما تتضمن التحديات التعامل مع ما تم إنجازه في السابق. وهنا، فقد جاء صندوق الخسائر والأضرار كأحد التحديات التي تعكس حالة التباين في الواقع والأحلام، بين شطري الكوكب. في المقابل، كانت «الفرصة» فكان الصندوق جزءاً من المناقشة، وأصدر القادة تعهدات تمويل لدعمه.

صحيح أن كلفة بعض الكوارث قد تتعدى المليار يورو، لكن المفاوضات اجتذبت نحو 225 مليون يورو، خلال الأسبوع الأول. جاءت التعهدات من دول مثل الإمارات وإيطاليا، وفرنسا، وهولندا، وكندا. ولا تزال هناك حاجة لرسملة الصندوق، وعدم اعتباره «صندوقاً خيرياً» فقط. فضلاً عن أهمية توضيح الشروط المؤهلة للدول «المتضررة»، للاستفادة من تمويل المناخ.

لغات مختلفة وهدف واحد

يتحدث مؤتمر تغيّر المناخ لغات مختلفة، ولكن بهدف واحد، ومع ذلك فإن لكل لغة تركيبة مصالح، وهذا التباين في الرؤى يمثل المعضلة الأكبر أمام الدولة المضيفة للقمة نحو التوصل لاتفاق يلقى القبول لدى الجميع. وعندما نتحدث عن الكتل التفاوضية، فإننا نتحدث عن عالم واحد، وأكثر من عشر تكتلات: الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الإفريقي، تحالف الدول الجزرية الصغيرة النامية، (البرازيل، جنوب أفريقيا، الصين، الهند)، التحالف البوليفاري لشعوب أمريكا، أوروبا الوسطى والشرقية، مجموعة النزاهة البيئية، مجموعة ال 77 والصين، الدول الأقل نمواً، البلدان النامية ذات التفكير المماثل.

فى هذا الإطار، فإن التحدي ليس في التمويل فقط ،ولكن أيضاً في طريقة توظيفه، وليس في إدراك آثار القضية فقط، ولكن أيضاً في تضمين سبل المواجهة داخل السياسات، الأمر الذي يتطلب دعوة ومشاركة الجميع، ثم يأتي سؤال كيف نفعّل استدامة تلك المشاركات بعد انقضاء المؤتمر؟ وهنا، فقد نجح «كوب 28» في أن يلتقي زعماء السكان الأصليين في التجمع السنوي الثالث لحاملي المعرفة، حيث تبادلوا وجهات النظر حول العلاقة بين المياه والطاقة والغذاء. وتسهم مثل هذه التجمعات في تعزيز إدراج أنظمة المعرفة المتنوعة في السياسات والإجراءات المناخية، مع التركيز القوي على تبادل المعرفة بين الأجيال.

جردة بالأضرار

يتولى «كوب 28»، إذن، القيام بعملية «جرد» لما تم من إجراءات، حيث تواجه القمة مهمة إتمام «التقييم العالمي»، الذي يجري على مدار عامين، بمراحل جمع البيانات والتقييم الفني ويتوج بمرحلة سياسية رفيعة المستوى. ومن المقرر أن تتم المرحلة السياسية النهائية لدورة التقييم خلال «كوب 28». ويهدف الجرد إلى معالجة الخسائر والأضرار، والمساعدة في تقييم الإجراءات والدعم اللازم للاستجابة لتأثيرات المناخ التي تتجاوز ما يمكن للمجتمعات والنظم البيئية التكيف معه. ويأخذ في الاعتبار أيضاً العواقب الاجتماعية والاقتصادية غير المقصودة التي قد تنشأ عن قرارات العمل المناخي، والمعروفة بتدابير الاستجابة. إضافة إلى ذلك، يهدف التقييم العالمي إلى التأكيد على أهمية تعزيز العدالة والاستفادة من أفضل العلوم المتاحة لتوجيه استراتيجيات معالجة أزمة المناخ. بمعنى آخر، يتولى كوب 28 من خلال التقييم العالمي، تصحيح المسار، وتسريع العمل المناخي، عالمياً.

يضاف إلى ذلك، ما تفرضه حالة تغير المناخ من تحد على القمة، يتمثل في القدرة على الاستكمال والتراكم والدفع للأمام، الأمر الذي يتطلب الطرح الشامل للقضية.

وفرت القمة، من خلال الربط بين تغير المناخ والقضايا الأخرى مجالاً لزيادة الطموح نحو رعاية الفئات الأكثر تضرراً، حدث ذلك مثلاً عندما تم ذكر سبل تعزيز معيشة أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة. ومن أهم الأمثلة هنا: عندما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة، أن 134 دولة، تغطي 70٪ من أراضي العالم، قد وقعت على إعلان الإمارات بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والعمل المناخي، ملتزمة بدمج الغذاء في سياساتها الخاصة. وتم بالفعل التوقيع على الإعلان من قبل العديد من البلدان ذات أعلى مستويات انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بالغذاء، بما في ذلك البرازيل والصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

نضيف إلى ذلك، نجاح «كوب 28» أيضاً في إنجاز إعلان الإمارات العربية المتحدة بشأن المناخ والصحة، بناء على إدراك العوائد على الصحة من التخفيضات العميقة والسريعة والمستدامة في انبعاثات غازات الدفيئة، وتقليل تلوث الهواء، والتحولات إلى النظم الغذائية الصحية المستدامة. وتناولت المناقشات أيضاً جائحة كورونا التي بدأت كأزمة مرجعية لكارثة بدأت بيئية، ثم تطورت لكارثة صحية، والتي أرهقت النظم الصحية في العالم. ما يعنى ضرورة تعزيز النظم الصحية، وبناء مجتمعات قادرة على المواجهة لمصلحة أجيال الحاضر والمستقبل أيضاً.

ختاماً، ينبغي على العقل الجمعي العالمي النظر لتغير المناخ، ليس على اعتباره قضية، بل ليس على اعتباره حتى أزمة، ولكنه كارثة. بل هي الكارثة الأكبر والأصعب على الإطلاق، بما تفرضه من شمولية وامتداد في الأثر. وإن كان تحدي إدراك تعقّد تغير المناخ أحد تحديات «كوب28» وكل قمة مناخية- فيحسب لهذا المؤتمر النجاح في ربط تغير المناخ بقطاعات حياتية مهمة، كالصحة والزراعة والاستدامة، وستخبرنا الأيام المقبلة عن أثر ذلك الربط عملياً، بعد ترجمته فعلياً بنقله إلى محوري التكيف والتخفيف، وهنا نستطيع الجزم بنجاح الحلقة الثامنة والعشرين من سلسلة القمم المناخية العالمية.

* باحثة مصرية في الشؤون البيئية والتنموية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3t9udk4z

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"