مستقبل علاقات الأوروبيين مع الصين

22:09 مساء
قراءة 4 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *
عقدت في بكين، القمة ال24 بين الصين والاتحاد الأوروبي بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول، وهي أول قمة حضورية بين الطرفين منذ أكثر من 4 سنوات، بعد أن عزلت جائحة «كوفيد-19» الصين عن بقية العالم، وكان عنوان القمة محاولة إعادة ترتيب العلاقات، لا سيما اختلال التوازن التجاري بين الشريكين، فقد تضاعف العجز في الميزان التجاري الأوروبي مع الصين خلال عامين ليصل إلى رقم قياسي قدره 400 مليار يورو العام المنصرم، يرجعه التكتل إلى قيود تفرضها الصين على الشركات الأوروبية.

كما يصادف هذا العام الذكرى السنوية العشرين للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والاتحاد الأوروبي، والتي تأسست في عام 2003. ومنذ ذلك الحين، ازدهرت العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي؛ ففي السنوات العشرين الماضية، زادت التجارة بين الجانبين بمقدار عشرة أضعاف لتصل إلى 847.3 مليار دولار، مما يعني أنه يتم تداول ما يقرب من 2.3 مليار دولار أمريكي من البضائع بين الجانبين يومياً.

(عام 2017 كان حجم التجارة المتبادلة بين دوله والصين يتجاوز 1.5 مليار دولار يومياً)، ووفق البعثة الصينية لدى الاتحاد الأوروبي فقد دعمت الصادرات الأوروبية إلى الصين حوالي 4 ملايين فرصة عمل في أوروبا. وبحلول نهاية عام 2022، أنشأت الصين أكثر من 2800 شركة من خلال الاستثمار المباشر في أوروبا، مما أدى إلى خلق أكثر من 270 ألف فرصة عمل محلياً.

وفق ما أسمته «أورسولا فون دير لاين»، رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، «خطاباً تأسيسياً» بشأن الصين ومستقبل علاقات الأوروبيين معها بمقر مركز السياسة الأوروبية ببروكسل في مارس/آذار (2023) فإنها أوضحت الآتي:

(1 ) استعادة التوازن الغائب عن العلاقات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية مع العملاق الآسيوي: وتنتقد المفوضية الأوروبية استفادة الصين من استثمارات أوروبية ضخمة دون التزامها بالمعاملة بالمثل. وتسعى المفوضية الأوروبية لتحقيق التوازن المنشود بين الطرفين، عبر خفض استثمارات الأوروبيين، وتقييد بعض صادراتهم التكنولوجية إلى الصين، لضمان الحفاظ على شيء من التفوق المعرفي والصناعي، وإعادة التفاوض بشأن الاتفاق الاستثماري المبرم بين الطرفين في 2020.

(2) حماية الاتحاد الأوروبي، خاصة بلدانه الصغيرة، من الوقوع في فخ التبعية الاقتصادية والتجارية للصين نتيجة خطر صادرات التكنولوجيا الصينية.

كما تري المفوضية الأوروبية أن الصين تضعف الاتحاد الأوروبي عن طريق التفاوض الثنائي الأطراف مع الحكومات الأوروبية وخلق تنافس بينها. حيث أسست الصين منتدى «16+1» من أجل الالتزام مع 16 بلداً في أوروبا الوسطى والشرقية، وينتمي 11 منها للاتحاد الأوروبي. ولأن هذه الدول أكثر فقراً، وغالباً ما تعاملهم دول مثل فرنسا وألمانيا على أنهم أوروبيون من الدرجة الثانية، فهي ترحب على الخصوص باهتمام الصين واستثمارها. كما تموّل الصين أيضاً اقتصادات أوروبا الجنوبية التي عانت من انعدام الاستثمار منذ أزمة منطقة اليورو. إذ استثمرت على سبيل المثال في ميناء بيرايوس في اليونان، وفي شركات الطاقة البرتغالية.

(3 ) رغم التحالف الاستراتيجي الأوروبي مع الولايات المتحدة، فإن هذا لا يعني التطابق الكامل بين سياساتهما فيما يخص الصين، فالولايات المتحدة تعمل على «فك الارتباط» (decoupling) بين اقتصادها والاقتصاد الصيني كتوجه استراتيجي بعيد المدى يشمل المعرفة والتكنولوجيا والمنتجات والخدمات والاستثمارات، بينما يتمثل الهدف الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي في «تحجيم الخطر» (de-risking) الذي ينتج عن علاقات اقتصادية وتجارية واستثمارية ضخمة ومتشعبة مع الصين. ولتحجيم الخطر في علاقة الأوروبيين بالصين، يتعين عليهم وفقاً لرئيسة مفوضيتهم:

أولاً، رفع معدلات التنسيق الاستراتيجي والتكتيكي بين مؤسسات الاتحاد وحكومات الدول الأعضاء لكي تواجه مجتمعة سياسات «فرق تسد» الصينية، التي تستهدف صناعة الفرقة واستعداء بعض الدول على البعض الآخر.

ثانياً، يتعين على أوروبا صياغة سياسة متكاملة «للأمن الاقتصادي»، تتضمن فرض قيود على الاستثمار في قطاعات معينة في الصين ومنع نقل التكنولوجيا إليها (تحديداً المجالات العسكرية والأمنية والاستخباراتية والصناعات التكنولوجية فائقة التطور كصناعة أشباه المحولات)، بحيث يعطل التنامي المطرد للقدرات الصينية، وتشمل أيضاً التقليص المتدرج للصادرات الصينية في الأسواق الأوروبية، إن باستبدالها بصادرات بلدان أخرى (آسيوية وإفريقية)، أو بالتخلي عنها كالمواد الخام التي تأتي إلى أوروبا من الصين وتستخدم في عديد الصناعات التكنولوجية والتقليدية (النحاس والنيكل والسيليكون كأمثلة)، وتزول الحاجة إليها ما إن تصير الصناعة الأوروبية صناعة خضراء.

ثالثاً، كما أن هناك أسباباً أخرى عديدة تعرقل تطور العلاقات بين الطرفين، مع اعتبار الصين من قبل الاتحاد أنها تشكل منافساً شرساً من الناحية الاقتصادية، وهو ما يؤدي إلى زيادة التوتر في العلاقات بينهما. مع تبني الاتحاد الأوروبي رؤية خاصة مفادها «ضرورة إيجاد بديل للصين»، وتخفيض الاعتماد عليها من الناحية الاقتصادية في عديد من المجالات، كي لا يقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه عندما اعتمد على روسيا من ناحية تمويل الاتحاد بالغاز والنفط والمواد الأولية الأخرى.

وتلاحظ تحليلات أنه لم تكن هناك استراتيجية واضحة للدول الأوروبية في التعامل مع الصين، وذلك نظراً لوجود خلافات بين الدول الأوروبية حول آليات التعامل معها، فضلاً عن الضغوط الأمريكية على دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يؤثر على العلاقات بين الجانبين.

ورغم ذلك فإن حرص الاتحاد الأوروبي على عدم فك الارتباط مع الصين في إطار دفاع أوروبا عن مصالحها التجارية، وخاصة أن الولايات المتحدة لم تكن تتصرف دائماً مع الأوروبيين بطريقة ودية على الصعيد الاقتصادي. كما أن استمرار التفاوض بين الطرفين يتيح توضيح وجهات النظر وصولاً إلى حلول وسط ترضي الطرفين،.

كما أنه من المفيد جداً تبادل الحقائق والأرقام بين الطرفين، واتفاقهما على أن تكون لديهما قائمة بالبنود المختلفة التي يراد تعميق الحوار فيها بين الطرفين، على مستوى عالٍ.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5dkt2k6v

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"