عادي
537 مليون شخص يواجهون المرض

السكري.. مخاطر طويلة الأمد

23:07 مساء
قراءة 6 دقائق

تحقيق: راندا جرجس

يتصدر داء السكري قائمة الأمراض المزمنة الأكثر شيوعاً، وتشير التقديرات إلى أن هناك 537 مليون شخص من المصابين حول العالم، ويسبب وفاة 6.7 مليون شخص في عام 2021، ومن المتوقع أن يصل عدد المرضى إلى حوالي 783 مليوناً بحلول عام 2045 بحسب الإحصائيات. ويُصنف السكري ضمن المشكلات الصحية التي ترافقها زيادة خطر المضاعفات مع الوقت وتدهور حالة المصاب، وخاصة مع عدم الالتزام بإدارة المرض وتناول الأدوية وعمل الفحوص الطبية الدورية، وفي السطور القادمة يسلط الخبراء والاختصاصيون الضوء على أبرز الإصابات التي تنجم عن داء السكري على المدى الطويل.

يقول د. أمير عبد الغفار، استشاري أمراض المخ والأعصاب، اعتلال الأعصاب السكري من الحالات المزمنة التي ترافق ارتفاع مستويات السكر في الدم، ويؤثر سلباً في الأعصاب بمختلف أجزاء الجسم وخاصة الموجودة في الأطراف، ويؤدي على المدى الطويل إلى التلف التدريجي للأعصاب، وتتضمن الأعراض الشائعة لهذا المرض آلاماً حادة وحكة في المناطق المتضررة، وتنميلاً أو خدراً أو فقدان الإحساس في الأطراف، وضعف العضلات، واضطرابات في وظائف الأعضاء الحيوية مثل المعدة والأمعاء، ويعتمد التشخيص على الفحص السريري والتاريخ الطبي للمصاب، واختبارات وظائف الأعصاب لتقييم القوى العضلية والحسية، وتحديد مستوى السكر في الدم.

ويلفت د.عبد الغفار إلى أن اعتلال الأعصاب السكري يشكل مجموعة من المخاطر والتحديات الصحية للمصابين، ومن أبرزها، تنميل الأطراف والآلام المزمنة التي تعوق القدرة على القيام بالأنشطة اليومية، والتأثير السلبي في العضلات وعدم الحركة بشكل طبيعي وربما يحتاج المريض للمساعدة على التنقل داخل المنزل، ويتسبب التلف العصبي في مشاكل هضمية واضطرابات في القدرة على التحكم في البول، كما يؤدي نقص الإحساس والتنميل في الأطراف للإصابات والجروح دون إدراكه للألم بشكل كاف، ما يزيد من خطر العدوى والتعقيدات، ويعاني بعض المرضى تأثيرات نفسية بالتحديات الحياتية.

ويذكر د.عبد الغفار أن إدارة اعتلال الأعصاب السكري تتم من خلال مجموعة من العلاجات الطبية والإجراءات الوقائية والتغييرات في نمط الحياة، وتشمل: رصد مستويات السكر عن طريق المراقبة المنتظمة وضبطها وفقاً لتوجيهات الطبيب، والالتزام بنظام غذائي صحي، وتناول وجبات متوازنة، والتقليل من السكريات والكربوهيدرات البسيطة، فحص القدمين بانتظام للتحقق من عدم وجود جروح أو التهابات، وتجنب المشي حافياً، ممارسة التمارين الرياضية لتعزيز التدفق الدموي والحفاظ على اللياقة البدنية.

ويضيف: تضمن مراقبة الوظائف الحيوية السيطرة الجيدة على مستويات السكري في الدم، وتفيد المسكنات الطبية في تخفيف الألم، وتساهم أدوية تحسين توجيه الأعصاب في الحد من تطور الأعراض، وتُعد تمارين العلاج الطبيعي الأفضل لدعم الحركة.

مضاعفات طويلة

يرى د. معتصم بخاري، استشاري جراحة الأوعية الدموية، أن متلازمة القدم السكرية من المضاعفات طويلة المدى لداء السكري، وتنجم عن خلل في الأعصاب، وتصاحبها قرحة في القدم واعتلال عصبي ونقص التروية والعدوى وتلف أنسجة القدم، وتعد هذه المشكلة السبب الأكثر شيوعاً لبتر الأطراف غير المؤلمة لدى المرضى، وزيادة معدل الوفيات لدى المصابين بالسكري. وتظهر أعراض المرض على شكل تورم القدمين، تغير لون الجلد، الشعور بالحرقان أو الوخز والتنميل في القدم، عدم التئام الجروح لفترة طويلة، تشققات في الكعبين وبين أصابع القدم، ويتم التشخيص عن طريق التحفيز بالوخز بالإبر، وإجراء مزيد من التقييم مثل: مؤشر الكاحل العضدي ودوبلر الشرايين والموجات فوق الصوتية وتصوير الأوعية المقطعية.

يشير د.بخاري إلى أن العوامل الوراثية، سوء إدارة مرض السكري، البدانة، التدخين، وارتفاع ضغط الدم الشرياني، من أكثر المسببات التي تزيد من خطر الإصابة بمتلازمة القدم السكرية، ولذلك يجب على المريض فحص نسبة السكر في الدم والهيموجلوبين بانتظام، وعدم الضغط عن منطقة القدم، والتنظيف الجراحي للأنسجة التالفة، وتطبيق التداوي بالمضادات الحيوية في حالة تطور العدوى، ومعالجة الأوعية الدموية الداخلية إذا تم تشخيص تضيق أو انسداد كبير في الشرايين، وتعتمد الوقاية على ارتداء الأحذية الطبية الخاصة، وأسلوب الحياة الصحي، وممارسة التمارين المنتظمة.

مشكلة بصرية

توضح د. ساشوانثي موهان، أخصائية طب العيون: اعتلال الشبكية من المشكلات التي يعانيها مرضى داء السكري على المدى الطويل، وتزيد فرص الإصابة مع تجاوز عمر الأربعين، أو مع وجود مشكلات البدانة والسكري من النوع الثاني بين الأفراد الأصغر سناً، كما يؤدي عدم ضبط مستويات السكر في الدم إلى إلحاق الضرر بالأوعية الدموية في شبكية العين، وتُفاقم الظروف الصحية المصاحبة، مثل: ارتفاع ضغط الدم والكولسترول، كما تؤثر العادات السيئة كالتدخين واستهلاك الكحول سلباً في الحالة، وتواجه النساء المصابات بسكري الحمل خطراً متزايداً، فيما يعتبر الاستعداد الوراثي الذي يُشار إليه بوجود تاريخ عائلي للإصابة باعتلال الشبكية السكري من أسباب الإصابة.

وتشير د. ساشوانثي موهان إلى أن اعتلال الشبكية السكري يتسبب في حدوث اضطرابات خفيفة في الرؤية، ومع تطوره يؤدي إلى مضاعفات أكثر خطورة مثل ارتشاح الشبكية، حيث يتراكم السائل الزائد في بقعة العين، ما يتسبب في فقدان الرؤية المركزية، وينجم عن نمو الأوعية الدموية غير الطبيعية في الشبكية إلى حدوث (نزف زجاجي)، وانفصال الشبكية، أو ارتفاع ضغط العين (الزرق)، وضعف البصر ليبلغ الأمر ذروته بفقدان كلي للبصر إذا لم تُعالج المشكلة بشكل فوري. وتلعب تقنيات التصوير المتطورة ل (قاع العين، الأوعية، والتصوير المقطعي للترابط البصري، والتصوير الوعائي)، دوراً محورياً في الكشف المبكر والمراقبة المتواصلة لاعتلال الشبكية السكري، إذ تتيح هذه الأدوات تقييماً دقيقاً لتطور الحالة.

وتؤكد على أن خيارات العلاج تشمل: عمليات الليزر الذي يعمل على خفض حجم الأوعية الدموية غير الطبيعية، أو يمنع تسربها بشكل فعال، والحقن ضمن الجسم الزجاجي للعين، بمضادات أو الاستيرويدات عامل نمو بطانة الأوعية الدموية، لتقليص نمو السوائل، أما المراحل المتقدمة فيمكن علاجها بعملية استئصال الزجاجية.

وتلفت إلى أن إدارة اعتلال الشبكية السكري تتطلب اتباع نهج شامل ورقابة صارمة لمستويات السكر في الدم من خلال الحمية الغذائية، وممارسة التمارين الرياضية، والالتزام بتناول الأدوية، والإقلاع عن التدخين مع التقليل من شرب الكحول للحدّ من الضرر، والتحكم المنهجي بالظروف الصحية المصاحبة مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكولسترول، والفحوص المنتظمة للعيون، بما في ذلك فحص شبكية العين للكشف المبكر عن المشكلات وتوفير العلاج المناسب، والمراقبة المستمرة لحماية صحة النظر.

نمط الحياة

يوضح د.عامر نعيم استشاري الغدد الصماء، أن إدارة داء السكري أحد الجوانب الرئيسية والفعالة في عدم تطور المضاعفات، ومن أهمها الحفاظ على نظام غذائي صحي ومتوازن، ويجب على مرضى النوع الأول الانتباه إلى حساب الكربوهيدرات، لتحقيق استقرار مستويات الجلوكوز في الدم، ويتضمن حساب الكربوهيدرات تقدير كمية الكربوهيدرات في الوجبة ومطابقتها مع جرعة الأنسولين المناسبة، أما الذين يعانون مرض السكري من النوع الثاني، وخاصة مرضى السمنة، فيعد فقدان الوزن خطوة مهمة في الوقاية.

ويضيف: هناك اختيارات غذائية غير صحية يجب الابتعاد منها، مثل: اختيار الأطعمة منخفضة الألياف، مثل الخبز الأبيض والأرز الأبيض والأطعمة عالية المعالجة والحبوب، وتناول المشروبات السكرية أو مشروبات الطاقة، والأطعمة المقلية، والإفراط في تناول اللحوم والملح.

يشير د.نعيم إلى أن النشاط البدني المنتظم يكمل النظام الغذائي الصحي، ويساهم في إدارة داء السكري وتقليل مخاطر الإصابة بمشاكل القلب عن طريق تحسين كفاءة الجسم في استخدام الأنسولين والجلوكوز، ولذلك تجب ممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط المعتدل الشدة كل أسبوع، ويتضمن ذلك الأنشطة التي ترفع معدل ضربات القلب وتجعل التنفس بشكل أسرع قليلاً، وتسبب دفئاً طفيفاً في الجسم.

النظام الغذائي المتوازن أساس الحماية

تذكر أخصائية التغذية السريرية لينا دوماني، أن الالتزام بحمية غذائية معينة يساعد على إدارة مرض السكري من النوع الثاني، وليس النوع الأول الذي يعتمد على الأنسولين وعلى اتباع نظام مختلف ومتوازن، بمعنى استهلاك نسبة أعلى من بعض الأطعمة ونسبة أقل من أنواع أخرى مثل: السكريات المضافة والدهون المشبعة.

وتضيف: يجب على مرضى داء السكري من مختلف الفئات العمرية، الإكثار من تناول الفواكه والخضار والحبوب الكاملة والفاصولياء والمكسرات، واستخدام زيت الزيتون البكر الممتاز بدلاً من الزبدة أو الزيوت الأخرى، الحدّ من تناول منتجات الألبان واللحوم الحمراء، وتقليل الحلويات والسكريات المضافة والصوديوم (الملح) والأطعمة المصنعة.

وتلفت لينا دوماني إلى أن داء السكري يتسبب عادة في الإصابة بالالتهابات نتيجة ارتفاع مستويات السكر في الدم، ولذلك يساهم تناول الخضراوات الخضراء الورقية والفواكه وزيت الزيتون والسلمون الدهني، في التقليل منها وتعزيز الجهاز المناعي وتقويته، كما تساعد الأطعمة الغنية بالألياف على إدارة الوزن، ما يعمل على خفض معدل حدوث المضاعفات.

وتتابع: تجب زيادة معدل استهلاك الطفل المنتظم للألياف للمساعدة على موازنة مستويات السكر الإجمالية في الدم، إضافة إلى العديد من الفوائد الصحية الأخرى، كما ينبغي اختيار كربوهيدرات مغذية في كل وجبة ومحاولة مزجها مع الدهون والبروتين، وتعتبر معكرونة القمح الكامل والأرز الأسمر وخبز القمح الكامل والشوفان والفواكه، مصادر جيدة للكربوهيدرات، ويمكن أن تكون هذه الوجبات مصحوبة ببروتينات خالية من الدهون مثل صدر الدجاج والسمك (مع السلمون والسردين باعتبارها أفضل خيارات للبروتين وأحماض الأوميغا 3).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/6bt3vph8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"