تناقضات العلاقة بالثقافة الغربية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يجوز المرور مرور الكرام على قضية في مستوى «مفارقات العلاقة بالثقافة الغربية»؟ إذا اختزلناها في أنها كانت عقوداً من الاستلاب فهذا ظلم لمقارعة الاستعمار التي لم تهدأ يوماً. لكن هذا لا يعني نفي الاستلاب مطلقاً. الطريف أن البلدان العربية طوال فترات الاستعمار خطّأت ابن خلدون في أن «المغلوب يقلّد الغالب». حتى بعد الاستقلال لم تحدث تحولات جذرية في التعليم، البحث العلمي، التنمية، العدالة الاجتماعية واستقلال القضاء.
السبب هو أن مفهوم الثقافة الذي ساد العقل العربي منذ القرن التاسع عشر، هو مفهوم زخرفي في الحياة. في الدول الفرانكفونية يُدرّس الأدب الفرنسي في الجامعات. يدرس الطالب «الزورق السكران» للشاعر أرتور رامبو وأشعار الشاعر الرجيم شارل بودلير وبول فيرلين، وهم ثلاثي المدرسة الرمزية، التي أعلنوا في بيانهم سنة 1886أن جذورها تمتدّ إلى شعراء الصوفية، لكن الطلاّب لم يعرفوا ولو بيتاً من سبعين ألف بيت أبدعها جلال الدين الرومي، لم يروا سطراً من أعمال ابن عربي، لم يكتشفوا روائع محمد إقبال. ثلاثي الرمزية ثلاثي مخدرات ومثلية.
في عهد الاستعمار عاش طلاب العرب مشرقاً ومغرباً الازدواجية المتلازمة، تعلّموا اللغتين الفرنسية والإنجليزية وأدبيهما على خلفيات موسيقية من أزيز الرصاص والقصف. ذلك لم يَخلُ من نعمة، لأنه كان تطعيماً مدى الحياة يجعل المرء يردّد بيت ابن الرومي: «ولي وطن آليتُ ألاّ أبيعَهُ.. وألاّ أرى غيري له الدهرَ مالكا».
تلك الطريقة الهلامية في تلقي مكونات الثقافة الغربية، التي كانت نتائجها قبضاً على الريح، انتقلت عدواها إلى العلوم الإنسانية، فالعلوم السياسية والاجتماعية تشكيلة أفكار يونانية وإنجليزية وفرنسية، وقس عليها الاقتصاد والحقوق، فكيف كانت العواقب؟ هل ازدهرت الاقتصادات ورفرفت حمائم الديمقراطية على ربوع الشعوب؟ أمّا العلوم برياضياتها وفيزيائها وكيميائها وأحيائها، فعليك أن تبحث عن السرّ: هم نفّرونا منها ووضعوا من خلفنا سدّاً ومن أمامنا سدّاً دونها، أم بعض العرب هم المنفِّرون، بدعوى أنها علوم غير المؤمنين؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: الثقافة التي لا تكون مناعة قوية للإنسان والوطن هراء وخواء.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n7w26w6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"