كواليس «بريكـست»

رؤية من الداخل حول مفاوضات الخروج البريطاني
00:10 صباحا
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
1
بوريس جونسون

عن المؤلف

الصورة
1
ستيفان دي رينك
* كان ستيفان دي رينك أحد كبار مستشاري ميشيل بارنييه، مفاوض الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
* وقد عمل كموظف مدني في الاتحاد الأوروبي في مجال التنظيم المالي، والسوق الموحدة، وسياسة النقل، والتنمية الحضرية المستدامة، وتغييرات معاهدة الاتحاد الأوروبي.
* حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية والاجتماعية من معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، ويحاضر في معهد الحوكمة العامة بجامعة لوفين في بلجيكا.

لم يكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مجرد قرار سياسي، وتصويت عام، بل كان عملية معقدة تركت تأثيراً في الساحة العالمية. ويحاول هذا الكتاب تقديم كواليس هذه العملية التاريخية، ويكشف عن التحديات واللحظات الحاسمة التي شكلت الطابع الفريد لهذه الصفقة.

1

يقدم كتاب ستيفان دي رينك «داخل الصفقة: كيف أنجز الاتحاد الأوروبي خروج بريطانيا» منظوراً حول تعقيدات مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وباعتبار المؤلف كان مستشاراً مقرباً لميشيل بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان مطّلعاً على الأعمال الداخلية لهذه المناقشات التاريخية، ويكشف بمهارة، جانب الاتحاد الأوروبي من القصة.

في هذا الكتاب الصادر في مارس/ آذار 2023 عن دار أجندة للنشر باللغة الإنجليزية، ضمن 288 صفحة، يسعى المؤلف ستيفان دي رينك جاهداً، إلى فضح بعض المفاهيم الخاطئة، والتلفيقات التي ارتبطت بعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ فهو يأخذ القارئ إلى ما وراء الكواليس، ويقدم صورة واضحة للمداولات، والمفاوضات، والعقبات العديدة التي شكلت في نهاية المطاف الصفقة النهائية. كما يقدم الكتاب لمحة حول كيفية تطور المفاوضات الدولية الكبرى.

1
تظاهرة ضد بريكست

يطرح الكتاب عموماً، منظوراً شاملاً وصريحاً، حول مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من أحد المطّلعين على بواطن الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت الذي تستمر فيه العواقب الاقتصادية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الظهور، يعدّ كتاب دي رينك مرجعاً مهماً لمن يسعى إلى فهم تعقيدات وتحديات هذه المفاوضات التاريخية. فهو يقدم رؤى أساسية ينبغي أن تسترشد بها المحادثات المستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع التأكيد على أهمية التقييم الواقعي للإمكانات.

بداية رحلة الخروج

بالنسبة إلى لجميع، تبدأ الرحلة مع استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، حيث صوّت الشعب البريطاني لمصلحة مغادرة الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، أصبح التعقيد الحقيقي للعملية واضحاً عندما حاول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، تحويل هذا القرار السياسي رفيع المستوى إلى واقع عملي. وتكشف رواية دي رينك أن قدراً كبيراً من المفاوضات جرى داخل جدران قاعات اجتماعات الاتحاد الأوروبي، حيث لعبت حكومات الاتحاد الأوروبي دوراً محورياً في تشكيل النتيجة. وظلت هذه الجبهة الموحدة ضد لندن، على الرغم من جهود المملكة المتحدة لاستغلال الانقسامات المحتملة داخل الاتحاد الأوروبي، من دون انقطاع.

وربما يثير كتاب دي رينك ردود فعل قوية بين مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لأنه يتحدى بعض الخطابات التي ميزت المفاوضات؛ فهو يسلط الضوء على أمثلة لما قد يُنظر إليه على أنه عدم مرونة الاتحاد الأوروبي، بل وحتى عجرفته. ويرى دي رينك أن المملكة المتحدة تنازلت في نهاية المطاف بشأن العديد من القضايا الرئيسية، مثل حدود البحر الأيرلندي، وحقوق صيد الأسماك، وتكافؤ الفرص، وغيرها.

وأحد المواضيع الرئيسية للكتاب هو التطبيق المتسق لنفوذ الاتحاد الأوروبي، لتحقيق أهداف تفاوضية محددة سلفاً، ورغم أن هذا النهج انتقده البعض في المملكة المتحدة، فإنه نجح فعلياً، في حماية سلامة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي. ويؤكد دي رينك أن موقف الاتحاد الأوروبي كان يرتكز على البراغماتية، والمصلحة الذاتية، وليس على الإيديولوجية الصارمة. إن التناقض الصارخ بين استعداد المملكة المتحدة لتقديم تنازلات مع الدول الأخرى وإحجامها عن القيام بذلك مع الاتحاد الأوروبي، أمر مثير للتفكير، ويكشف عن تعقيدات المفاوضات.

1
ميركل وتيريزا ماي

علاوة على ذلك، يتطرق الكتاب إلى تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على سمعة المملكة المتحدة على المستوى الدولي. وهو يقدم تقييماً واقعياً لكيفية تجاهل الطبقة السياسية في المملكة المتحدة لمكانة البلاد في العالم خلال عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع ما يترتب على ذلك من آثار في العلاقات الدبلوماسية. وتثير رواية دي رينك تساؤلات حول الكيفية التي بدت بها المملكة المتحدة، التي حظيت بالإعجاب تاريخياً، بسبب حنكتها السياسية، وقوتها الناعمة، كأنها ضلت طريقها في خضم حماسة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

لندن وبروكسل: اختلاف القصة

يتساءل المؤلف: «بأي معنى كانت القصة في بروكسل مختلفة عن لندن؟»، ويجيب: تكشف أربع مغالطات بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن قراءة خاطئة للاتحاد الأوروبي، ومواقفه داخل حكومة المملكة المتحدة، وبعض وسائل الإعلام. كانت المغالطة الأولى هي أن تنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى نهج تصادمي مع بروكسل. ولهذا السبب، ادعى المعلقون أن جونسون كان مفاوضاً أكثر صرامة من تيريزا ماي، غير الفعّالة، وسيئة الحظ، التي فشلت في الوقوف في وجه المتنمرين في الاتحاد الأوروبي. لكن ماي كانت أكثر نجاحاً في الحصول على تنازلات من الاتحاد الأوروبي، حيث اختارت، هي وفريقها، نهجاً أقل خصومة، ما فتح مساحة أكبر لإيجاد حلول إبداعية مقارنة بالصراع العقيم وتكتيكات المواجهة التي اتبعها جونسون وفريقه. ولم يشعر بارنييه قط بأن الرد بالمثل على المواجهة من شأنه أن يؤدي إلى أي فائدة.

وكانت المغالطة الثانية هي أن الاتحاد الأوروبي تآمر مع أنصار البقاء. دومينيك كامينغز، استراتيجي قاد حملة التصويت للخروج وكبير مساعدي رئيس الوزراء جونسون خلال معظم عام 2020، يحافظ على هذا الرأي حتى اليوم. وكان التصور أن بارنييه يريد تخريب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل عميق. واعتقد بعض أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن هدفه هو معاقبة البلاد، وإلحاق آلام لا تطاق لإجبارها على تغيير رأيها. أما الباقون الذين اعتقدوا أن بارنييه كان في صفهم، فقد أساؤوا فهم هدفه أيضاً. وجاء العديد من أعضاء البرلمان للتحدث معه، لكنهم لم يجدوا أبداً دعماً لإلغاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. على العكس من ذلك، تظهر الأدلة أن بارنييه نجح في تنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مرتين، من خلال صفقتين مختلفتين، المرة الأولى مع ماي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 والمرة الثانية مع جونسون في أكتوبر/ تشرين الأول 2019. وقال: «لست بحاجة إلى مفاوض من أجل عدم التوصل إلى اتفاق». واتفق زعماء الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي على خروجين مختلفين من الاتحاد الأوروبي، في حين رفض برلمان المملكة المتحدة أحدهما، واختار في نهاية المطاف الخيار الأكثر بعداً بين الاثنين.

وهناك مغالطة ثالثة تتهم بارنييه بأنه رجل عقائدي، ملتزم بكتاب قواعد الاتحاد الأوروبي الذي منع الحكومات الوطنية والشركات من إدخال العقلانية الاقتصادية في المحادثات. وصرح ليام فوكس، وزير التجارة في حكومة ماي، في أغسطس/ آب 2018 أن الدول الأعضاء يجب أن تتخلى عن «النقاء الأيديولوجي» لبارنييه، مردداً النداءات السابقة للبراغماتية الموجهة إلى منتجي السيارات الألمانية، ومنتجي «البروسيكو» الإيطاليين. ولكن في مناسبات مختلفة، أنفق بارنييه وفريقه رأس مالهم السياسي على إقناع الدول الأعضاء بالتنازل عن المملكة المتحدة، وعلى الأخص في ما يتعلق بالحل الذي اقترحته ماي بشأن أيرلندا الشمالية. وتتمثل المفارقة الأخرى في أن تنازل الاتحاد الأوروبي هذا تحول إلى نصر باهظ الثمن، وناقوس الموت السياسي لتيريزا ماي. واعتقد النواب المؤيدون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن الخطة كانت فخاً نصبته بروكسل لتحويل بلادهم إلى دولة تابعة في مدار الاتحاد الأوروبي. وفي المقابل، شهد الاتحاد الأوروبي تعقيدات هائلة في الاستعانة بمصادر خارجية لسلطات المملكة المتحدة لتطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي على السلع التي تدخل السوق الموحدة.

والمغالطة الرابعة والأخيرة، هي أن الاتحاد الأوروبي يتزحزح دائماً في اللحظة الأخيرة. وهو ما تطرق إليه جونسون في بدايات تسلمه لمهامه، إذ تعهد بالتخلي عن المساندة الخاصة بأيرلندا الشمالية، وتنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحلول 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2019. وعند إبرام الصفقة، عزز التصور بأن هذا التهديد جعل الاتحاد الأوروبي أكثر مرونة. في الواقع، قرر جونسون التزحزح قبل اللحظة الأخيرة من المحادثات واختتام المفاوضات بالموافقة على فحص البضائع التي تعبر البحر الأيرلندي. إن المغالطة القائلة بأن الاتحاد الأوروبي سوف يستسلم تحت الضغوط في النهاية، تخطئ في قراءة ديناميكيات التفاوض والتماسك الداخلي للاتحاد الأوروبي. كما أنها تخلط بين لعبتين مختلفتين من ألعاب القوة. إن مؤتمرات القمة والمواجهات والتنازلات التي تعقد في وقت متأخر من الليل بين زعماء الاتحاد الأوروبي أمر شائع، لأنها تهدف إلى إيجاد حل وسط يرضي الجميع داخل الساحة السياسية للاتحاد الأوروبي، حيث تتمتع الدول بالسلطة بسبب عضويتها في الاتحاد الأوروبي. وكانت لعبة القوة بين الاتحاد الأوروبي والدولة التي قررت التخلي عن عضويته، وبالتالي نفوذها على الاتحاد الأوروبي، مختلفة تماماً. بعبارة أخرى، قللت هذه المغالطة من تقدير تأثير المملكة المتحدة المتناقص في سياسة الاتحاد الأوروبي، بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما بالغت في تقدير تأثير التهديدات بعدم التوصل إلى اتفاق.

بنية الكتاب

يتكون هذا الكتاب من أربعة أجزاء. يتضمن الجزء الأول أربعة فصول (1-4) ويبدأ من يونيو/ حزيران 2016. ينظر الفصلان الأول والثاني في كيفية بناء الاتحاد الأوروبي لوحدته في وقت مبكر، ويوضح الفصلان الثالث والرابع كيف أثمرت هذه الوحدة والشفافية المصاحبة لها خلال الأشهر الستة الأولى من المفاوضات. ينتهي الجزء الأول في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2017 عندما توصل يونكر وماي، إلى اتفاق أول بشأن شروط الخروج، وهو ما أطلقت عليه بعض الصحف البريطانية اسم «يوم الحرية».

ويتناول الجزء الثاني من الكتاب عام 2018 ويتضمن أربعة فصول (5-8). يحلل فيه الفصل الخامس المفاوضات من يناير/ كانون الثاني، إلى مارس/ آذار بشأن الفترة الانتقالية. ويوضح الفصل السادس قائمة بارنييه من العلاقات المحتملة، في حين أرادت ماي شيئاً لم يكن موجوداً في القائمة. ويكشف الفصل السابع الانقسامات بين ما روج له بعض الوزراء في لندن، وما دعا إليه مفاوضو المملكة المتحدة في بروكسل. ويسرد الفصل الثامن قصة كيف تمكن مفاوضو الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة من تهدئة السياسة بعد قمة سالزبورغ المضطربة في سبتمبر/ أيلول 2018، وإيجاد منطقة هبوط مؤقتة بشأن العلاقة المستقبلية.

ويغطي الجزء الثالث المكون من أربعة فصول (9-12) المفاوضات بشأن الحدود الأيرلندية وأيرلندا الشمالية. يبدأ الفصل التاسع منه في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 ويصف الرقص السياسي بين أيرلندا والمفوضية والدول الأعضاء، في تعزيز تضامن الاتحاد الأوروبي غير القابل للكسر مع أيرلندا. ويناقش الفصل العاشر انتصار ماي باهظ الثمن في الحصول على نظام جمركي على مستوى المملكة المتحدة، كحلّ مساند، أو تأمين في حالة فشل كل شيء آخر. ويوضح الفصل الحادي عشر كيف ابتعد جونسون تدريجياً عن التخلي عن شبكة الأمان إلى قبول حل خاص بأيرلندا الشمالية في سبتمبر/ أيلول 2019. ويوضح الفصل الثاني عشر كيف نفذ جونسون لاحقاً تحولاً سريعاً من موقفه الأولي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

ويناقش الجزء الرابع والأخير من الكتاب المفاوضات حول العلاقة المستقبلية مع جونسون وفروست في عام 2020. ويتضمن الفصول (13-15). يتناول الفصل الثالث عشر سبب عدم تضمين الاتفاقية أي أحكام بشأن السياسة الخارجية والتعاون الأمني الخارجي، بما في ذلك مشروع الملاحة الفضائية «غاليليو». ويتناول الفصل الرابع عشر تكافؤ الفرص، ويشرح كيف استعد الاتحاد الأوروبي منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2016. ويروي قصة كيفية رفض المملكة المتحدة في عام 2020 في البداية، جميع مقترحات الاتحاد الأوروبي، وانتهى الأمر بمتطلبات غير مسبوقة. ويتناول الفصل الخامس عشر حرب الأعصاب التي خاضها فروست في ما يتعلق بعلاقة تجارية جديدة في عام 2020، حيث ترك الأشهر تمر من دون إحراز تقدم وامتيازات قوية في النهاية. ويختتم الكتاب بالنظر إلى هذه السنوات المضطربة من العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ويجادل بأن الفهم الأفضل لماهية الاتحاد الأوروبي، لكل من أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأنصار البقاء، هو عنصر لا غنى عنه لتحقيق مستقبل أفضل.

في الختام، يمكننا القول إنه سواء وافق المرء، أو اختلف مع عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن هذا الكتاب يعد قراءة مهمة لكل مهتم بديناميكيات المفاوضات الأولية وعواقبها بعيدة المدى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/mpvdam95

كتب مشابهة

1
بول هانزبري
1
أنجيلا بورن
1
زاندر دنلاب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

خلال قمة أوروبية سابقة
مارك ساكليبن
1
تياجو فرنانديز
1
كجيل أوستبيرج
تغير المناخ يزيد من الهجرات في العالم
درو بيندرجراس وتروي فيتيس
1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك