عادي

ليبيا.. جولة جديدة من «بيع الأوهام»!

23:04 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد فراج أبو النور*

يواصل المبعوث الأممي في ليبيا عبدالله باتيلي محاولاته لتحريك مبادراته الجديدة التي كان قد أطلقها في (23 نوفمبر/ تشرين الثاني) الماضي والتي تقضي بعقد اجتماع للأطراف المؤسسية الرئيسية الخمسة في البلاد (مجلس النواب، والمجلس الرئاسي، والمجلس الأعلى للدولة، والقيادة العامة للجيش الوطني الليبي، وحكومة الدبيبة) للاتفاق على السبل والإجراءات الضرورية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في البلاد.

وفقاً للمبادرة، يسبق هذا الاجتماع تسمية الأطراف (الخمسة الكبرى) كما يسميها باتيلي لمندوبين عنها يعقدون «اجتماعات تحضيرية» من أجل إعداد ناجح لاجتماعات زعماء هذه الأطراف، وتكون مهمة هؤلاء المندوبين تحديد موعد ومكان اجتماع «القادة» وجدول أعماله، والمسائل الواجب الاتفاق حولها لتمكين المفوضية العليا للانتخابات من الشروع بتنفيذ قانوني الانتخابات الصادرين عن البرلمان (القانونين رقم 27، 28 لعام 2023) الخاصين بالانتخابات البرلمانية والرئاسية، واللذين يمثلان القاعدة الدستورية لتلك الانتخابات، وتم نشرهما في الجريدة الرسمية (1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023).

باتيلي جدد دعوته المشار إليها في سياق إحاطته التي قدمها إلى مجلس الأمن الدولي (عبر تقنية الفيديو) حول الأوضاع في ليبيا منذ أيام (في 18 ديسمبر/كانون الأول) الجاري والتي ذكر فيها أن الليبيين من كافة الاتجاهات يتطلعون بقوة إلى حكومة وحدة تقود البلاد إلى انتخابات ديمقراطية ومؤسسات شرعية موحدة، وإلى تحقيق السلام والاستقرار.. وأن المزاج الوطني العام جاهز للاتفاق.

وأكد باتيلي أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات مستعدة فنياً لإجراء الانتخابات، كما شدد على ضرورة عدم السماح لمجموعة «واحدة» من المسؤولين المتشبثين بمقاعدهم، وبإحباط الشعب الليبي، وتعريض المنطقة لخطر مزيد من الفوضى.. وجاء هذا التشدد في سياق تأكيد باتيلي على أن مختلف القوى الاجتماعية والقبلية ومنظمات رجال الأعمال، والقوى العسكرية والأجنبية البارزة، بما فيها (لجنة 5+5) أعربت كلها عن استعدادها الكامل لضمان إجراء انتخابات عامة سليمة وناجحة!

بين الخيال والواقع

نبرة التفاؤل الغالبة على تصريحات المبعوث الأممي تبدو قفزاً على وقائع ما يجري في ليبيا وحولها فعلاً، بل وعلى ردود الأفعال المحيطة بمبادرته نفسها.. وهنا لا بد من ملاحظة ما يلي:

  1. بالرغم من مرور شهر كامل على تجديد باتيلي لمبادرته فإن الخلافات حولها لا تزال قائمة، بما يجعل الشكوك تحيط بإمكانية اجتماع الأطراف «الخمسة الكبار» أصلاً، فرئيس البرلمان عقيلة صالح يرفض الاجتماع مع الدبيبة باعتباره رئيساً لحكومة منتهية الصلاحية، وفاقدة لثقة البرلمان، وبرغم حدوث اجتماع بين عقيلة وحفتر والمنفي في القاهرة (18 ديسمبر) وصدور قرار يرحب بالمبادرة (عموماً) فإن عقيلة أدلى في اليوم التالي مباشرة بحديث لقناة «القاهرة الإخبارية» أكد فيه رفض الاجتماع مع الدبيبة.
  2. المجلس الأعلى للدولة بقيادة محمد تكالة لم يعلن حتى الآن موقفه من الاجتماع الخماسي، علماً بأن المجلس الأعلى أصدر في أكتوبر(تشرين الأول) الماضي قراراً برفض قبول القانونين (28/27) كقاعدة دستورية للانتخابات، استناداً إلى أن نصهما الذي وضعته لجنة (6+6) الذي تعرض لتغييرات في صياغته بواسطة البرلمانع.
  3. نظراً لعدم اتفاق الأطراف على الاجتماع أصلاً، فإنها لم تقم بتسمية المندوبين المدعوين لمناقشة مكانه وزمانه وجدول أعماله.. الخ (اللجنة التحضيرية) التي تشير كل الشواهد أنها ستحتاج- حال تشكيليها- إلى مفاوضات ماراثونية قبل أن ينعقد الاجتماع العتيد للقادة، إذا قدر له أن ينعقد أصلاً.
  4. يتحدث باتيلي عن تطلع جميع الاتجاهات الليبية بقوة إلى حكومة موحدة، وعن الاستعداد الكامل لجميع القوى الاجتماعية والقبلية العسكرية والأمنية لضمان إجراء انتخابات عامة سليمة وشاملة وناجحة، متجاهلاً أن «القاعدة الدستورية» للانتخابات- المتمثلة في القانونين (28/27) ليست محل اتفاق بين جميع الأطراف، خاصة بعد أن سحب «الأعلى للدولة» موافقته عليه. كما أن الديبية يرفضها منذ البداية.

مرة أخرى.. الظروف الدولية

ومن ناحية أخرى فإنه في ظل الأهمية الاستراتيجية البالغة لموقع ليبيا وإنتاجها النفطي، وارتباط الأطراف الليبية المختلفة بأطراف دولية وإقليمية مؤثرة، واحتدام الصراعات الدولية والإقليمية حالية (وخاصة في غزة والسودان) وانشغال مختلف الأطراف الكبرى وخاصة الولايات المتحدة بمعالجة هذه الصراعات، فمن الصعب أن تمثل الأزمة الحالية في ليبيا مكاناً في جدول أعمال القوى الدولية والإقليمية الكبرى.

تجاذبات وإعادة تموضع

وفي ظل هذه الأوضاع الدولية والإقليمية يظل الركود والانسداد السياسي، والتجاذبات والتحركات الصغيرة من أجل تحسين المواقع هي الطابع المسيطر على الأحداث.

فنجد عقيلة صالح مثلاً يسعى لتحسين علاقته مع تركيا، ويقوم بزيارة ثانية لها، ويجتمع مع أردوغان في محاولة «لتطبيع» العلاقات بين بنغازي وأنقرة، بما يخفف من انحياز تركيا لحكومة الدبيبة، ومعروف أنه كان قد تم الاتفاق على إقامة خطين (ملاحي وجوي) بين الشرق الليبي وتركيا، كما أعلن عقيلة عن استعداده لتقديم التسهيلات الضرورية للاستثمارات التركية.

غير أن مثل هذه التحركات تبدو قليلة الأثر في إضعاف العلاقات بين أنقرة وطرابلس (وحكومة الدبيبة) خاصة في ظل وجود قواعد عسكرية تركية مهمة في الغرب، خاصة (مصراتة ومعيتيقة) وتجديد البرلمان التركي لمهمة قوات بلاده مؤخراً لعامين.

وبالنسبة للدبيبة، فإن خلافاً انفجر مؤخراً بينه وبين حليفه القديم الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي، بسبب إفراط الدبيبة في نهب أموال المصرف، إذ اتهمه «المحافظ» بصرف (11 مليار دولار) أكثر من الميزانية وبإهدار المال العام، ما أدى لتوتر العلاقات بينهما، وبعد تهديد «المحافظ» من جانب القوى الأمنية فرّ إلى تركيا!!

وبناء على كل ما ذكرناه تبدو لنا أحاديث باتيلي عن المصالحة والحكومة الجديدة والانتخابات نوعاً من بيع الأوهام والقفز على الوقائع.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3dny4r3v

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"