عادي

الأطفال في المساجد.. تربية وهداية وإصلاح

23:14 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

يصطحب العديد من الآباء أطفالهم إلى المساجد، وهي ظاهرة محمودة في كثير من البلدان الإسلامية لما تحمله من رغبة للآباء في ربط أولادهم بالمساجد، وتعويدهم على مناخ بيوت الله، وما في ذلك من تربية وهداية وحرص على أداء العبادات. وقد يتحفظ بعضهم على ذلك لما يقومون به من ضوضاء، خصوصاً في صلاة الجمعة، وتخللهم صفوف المصلين، فكيف ينظر الإسلام للمسألة؟ وما آداب وجودهم في المساجد ومسؤولية الآباء في ذلك؟ وما الذي يستفيده الصغار من ترددهم على بيوت الله؟

يؤكد د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق، أن كل ما يربط الأطفال بتعاليم دينهم وأداء الفرائض والعبادات والطاعات التي حث عليها الإسلام، واجب الآباء والأمهات أن يحرصوا عليه، فذلك من حسن التربية التي حث عليها.

ويقول: ربط الأطفال بالمساجد محمود شرعاً بشرط أن يحرص الكبار على تعليم الصغار آداب التعامل مع المسجد والوجود به، ولو صدرت بعض التصرفات غير المرغوبة منهم في بداية عهدهم به، فلا بأس بأن يعلمهم المرافقون لهم من الكبار الصواب والخطأ في هذه السلوكيات، وبالممارسة سوف يتعود الصغار على الالتزام بآداب المسجد، وهو أمر طيب تحتاج إليه كل أسرة، لأن وسائل الانحراف تحيط بهم في هذا العصر من كل جانب، وبيت الله سيظل مصدر هداية للكبار والصغار.

ويوضح د. جمعة أن الصورة الذهنية للمسجد في عقول أطفالنا تصنعها وسائل عديدة أولها البيت، وأنها حين تكون مثالية فذلك من إحسان التربية التي هي حق للولد على أبيه، ويجب أن تشاركه في ذلك مناهج التربية في مراحل التعليم المختلفة.

ويؤكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن للمسجد رسالة تربوية عظيمة تسهم في رسم صورة مثالية للطفل وتحميه من كل الانحرافات وتمده بعطاء روحي متنوع.

الصورة

سلوك نبوي كريم

د. أسامة الحديدي، مدير مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، يؤكد أن اصطحاب الأطفال غير البالغين إلى المساجد في صلاة الجمع، أو الصلوات اليومية من الأمور المستحبة شرعاً؛ لأن في ذلك تعويداً لهم على أداء الصلاة، وأنه يتأكد استحباب ذلك إذا كانوا مُميِّزين؛ لتنشئتهم على حُبِّ المسجد وشهود صلاة الجماعة.

ويقدم د. الحديدي نصائحه للآباء والأمهات هنا بقوله: يجب الحرص على تعليم الأطفال آداب المسجد برفق ورحمة، وتعليمهم أن لهذا المكان احترامه، والحرص على نظافته، وعدم إزعاج المُصلِّين.

ويقول: اصطحاب الأطفال إلى المسجد سلوك نبوي كريم، وروي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه كان يحمل أحفاده وهو يؤم المصلِّين في المسجد، وكان يتعامل معهم برفق ورحمة ولين، فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَؤُمُّ النَّاسَ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ، وَهِيَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتُ النَّبِيِّ عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا».. وروى عَبْد اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَناً أَوْ حُسَيْناً، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، قَالَ أَبِي: فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ، قَالَ: «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ».

ويرى د. الحديدي أن هذا السلوك النبوي الكريم يؤكد ضرورة الرفق في التعامل مع الأطفال في المساجد، ولذلك لا يجوز نهرهم وتعنيفهم أو ضربهم على سلوك عفوي ارتكبوه داخل المسجد، بل واجب من يرافقه ابنه أو حفيده أن يعلمه بلطف ويتعامل معه برحمة، ويخلص في توجيهه، حتى يتعلم آداب التعامل مع بيوت الله.

ويتحفظ د. الحديدي على عزل الأطفال في أماكن مخصصة في المساجد كما يطالب بعضهم، اللهم إن كان الطفل رضيعاً واصطحبته أمه أو كان مريضاً ويخشى من اختلاطه بالمصلين.

مكاسب

ينبّه د. محمود الهواري، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، إلى أهمية ربط الأطفال بالمساجد، خاصة وهم في سن التمييز الذي يسبق البلوغ، لما في ذلك من مكاسب تربوية وأخلاقية وسلوكية، فالمساجد مراكز إشعاع روحي وفكري وثقافي، ولها تأثير كبير في رسم شخصية سوية للطفل.

ويقول: الإسلام اعتنى بالأطفال، وأمر الآباء والأولياء بأن يأمروا أبناءهم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، ولا شك أن المكان الصحيح لتعليمهم الصلاة وغيرها من أحكام الشرع هو المسجد؛ لأنه كما يندب تدريب الأولاد على الصلاة والطاعات في المنازل، يندب كذلك تدريبهم على الأعمال الجماعية لتقوية روح الاجتماع في نفوسهم، ومن ذلك شهودهم لصلاة الجمع والجماعات في المساجد.

ولمواجهة بعض السلوكيات الخاطئة في ترتيب صفوف الصلاة في المسجد ووقوف الأطفال وسط المصلين، يوضح د. الهواري أن الفقهاء تحدثوا عن ترتيب صفوف الجماعة، فقالوا: يكون الرجال في الأولى، ثم يليهم الصبيان ثم يليهم النساء، وكان الأطفال يحضرون إلى المسجد في عهد الرسول، وكان، عليه الصلاة والسلام، يخفف الصلاة، ويقصرها عندما يسمع بكاء طفل في المسجد، بل إنه قطع خطبته وحمل الحسن والحسين، لمّا دخلا المسجد فرآهما يعثران في ملابسهما.

وعن تحفظ بعضهم على اصطحاب الأطفال للمساجد، بدعوى عدم العبث بها، يقول الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية: كل ما هو مطلوب تربية الصغار على احترام المسجد، ومنع كل سلوك يؤدي إلى تلويث المسجد وإيذاء المصلين. وإن كان الطفل لا يعبث في المسجد ولا يؤذي أحداً، فلا حرج في حضوره، والأفضل أن يكون بجوار أبيه أو أحد أقاربه الكبار، ويعلم آداب المسجد، وأن يُحَذًرَ قبل ذلك من أذى الناس وتخطيهم ونحو ذلك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4c6j29jm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"