الدولة الاجتماعية وضغط الأزمات

01:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني
يحيل مفهوم الدولة الاجتماعية إلى تلك الدولة القادرة على تأمين الخدمات الاجتماعية للفئات الفقيرة داخل المجتمع، وحمايتها من الانعكاسات التي تفرزها العولمة وتحرير الاقتصاد، إضافة إلى تقليل الفوارق بين الطبقات الاجتماعية والاقتصادية، عبر توفير فرص الشغل وحماية مصالح العمال، وتأمين مختلف الخدمات الصحية والتعليمية في إطار من الجودة، وتحقيق الحماية الاجتماعية للفئات الهشة ذات الدخل المحدود، من فقراء وأقليات ومسنين وذوي احتياجات خاصة، إضافة إلى القضاء على مخلفات الاستعمار، وإعادة توزيع الخيرات أخذاً في الاعتبار لهذه المعطيات.

وعادة ما تنص دساتير الدول على مجموعة من الحقوق والحريات الجماعية والفردية، التي تمثل في مجملها ضمانات تدعم تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير عدد من الخدمات الاجتماعية للمواطنين، سواء خلال الفترات العادية، أو في لحظات الأزمات والكوارث، إضافة إلى تحقيق العدالة المجالية عبر تضييق الفجوات بين الفوارق الجهوية، بتعزيز مشاريع التنمية بمختلف مظاهرها، وتوفير الخدمات الرئيسية في المناطق النائية، وتيسير الولوج إليها في إطار احترام الكرامة الإنسانية.

وتتباين الخطط والسياسات التي اعتمدتها الدول في تحقيق هذا الرهان، بين سن تشريعات وطنية، وإرساء سياسات عمومية، وإحداث مشاريع تدعم تحقيق هذا الخيار، ودول أخرى اختارت تخصيص دعم، مباشر أو غير مباشر، أو تقديم تسهيلات للفئات الاجتماعية الفقيرة لأجل مساعدتها على ولوج عدد من الخدمات الصحية والتعليمية، في إطار من الثقة بين المواطن والدولة.

وينسجم مفهوم الدولة الاجتماعية مع وظائفها، القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، تجاه المجتمع، بغضّ النظر عن توجهاتها السياسية، واختياراتها الاقتصادية، كما يجد أساسه في اقتران الممارسة الديمقراطية بتحقيق التنمية والرفاه للمواطنين في إطار من العدالة وتكافؤ الفرص، وفي سياق بناء دولة القانون والمؤسسات، واحترام حقوق الإنسان.

إن تحقيق العدالة الاجتماعية، لا يعني الدولة بمفردها، بل يتطلب انخراط عدد من الفاعلين داخل المجتمع، من كفاءات علمية، ونخب سياسية وحزبية، وقطاع خاص.. ومع ذلك يظل دور الدولة محورياً في هذا الخصوص، بالنظر إلى امتلاكها مختلف المقومات، ولما تفرضه المهام الملقاة على عاتقها من مسؤوليات تجاه المجتمع.

وتتزايد أهمية الدولة الاجتماعية خلال فترات الأزمات والكوارث، فهذه المحطات تفرز انعكاسات اجتماعية وصحية ونفسية واقتصادية خطرة، وأزمات فرعية لا تخلو من صعوبات وتحديات، تقتضي معالجتها بقدر من السرعة والنجاعة. وغالباً ما تبرز المعضلة الاجتماعية، بشكل كبير، خلال هذه المناسبات القاسية، في شكل معاناة مرتبطة بقلة، أو انعدام فرص الشغل، أو بتزايد الحاجة إلى تأمين الغذاء، والسكن، ومختلف الخدمات الصحية، وتحقيق الأمن، وتوفير الرعاية والحماية للضحايا والمتضررين.

وقد شكلت جائحة كورونا محطة صعبة، فرضت على الدول اتخاذ تدابير استثنائية، وصلت حدّ الإغلاق التام، ومنع التجول، وإغلاق المدارس والمصانع والمطارات.. وخلال هذه الأجواء برزت الدولة في واجهة تدبير هذه الانعكاسات الخطرة، في سياق تحقيق الأمن الإنساني بعناصره، الصحية والقانونية والإدارية والبيئية والاقتصادية والتعليمية.. وفي سباق مع الزمن لمنع خروج الأمور عن نطاق التحكم والسيطرة.

إن عودة الدولة بقوة خلال هذه الأزمة، فرضته فجائية الوباء، وهول إفرازاته المختلفة، وحالة الهلع التي رافقته، حيث سارعت الكثير من الدول عبر العالم إلى تعبئة مستشفياتها وطواقمها الطبية، كما حرصت على توفير الغذاء والدواء لأفراد المجتمع، بصورة أبرزت أن رياح العولمة لا يمكن أن تخفي الأدوار الاجتماعية التي يفترض أن تستأثر بها الدول في الأوقات العادية؛ أو خلال فترات الأزمات والكوارث.

إن المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم خلال المرحلة الراهنة، والتي تلقي بظلالها، على واقع ومستقبل المجتمع الدولي، في علاقة ذلك بتصاعد الانعكاسات التي تفرزها المخاطر العابرة للحدود، وكذا تلوث البيئة وندرة المياه، وتنامي التهديدات التي تحيط بالأمن الغذائي والأمن الطاقي في أعقاب الحرب الروسية – الأوكرانية، وما تلا ذلك من ارتفاع أسعار في المواد الأولية والغذائية، وارتفاع نسب البطالة والفقر عبر العالم، إضافة إلى ميل الكثير من الشركات الدولية الكبرى إلى الجشع في تحقيق الأرباح رغم هذه الظروف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ycxaxwzd

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"