في طبيعة القانون الدولي

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني
مع توالي الانتهاكات والخروق الصارخة التي أصبحت تلحق قواعد القانون الدولي خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بدأت الكثير من الأسئلة تثار بشأن طبيعة هذه القواعد، وما إذا كانت ملزمة أم لا، وحول مدى قدرتها على تحقيق السلم والأمن الدوليين في عالم يرزح تحت نير الأزمات والنزاعات.

تباينت مواقف الفقهاء والباحثين بصدد إلزامية القانون الدولي، بين من شكك في قانونية قواعده، واعتبر أن مقتضياته تظل مجرد مجاملات وضوابط أخلاقية، لا ينجم عن خرقها أي مسؤولية قانونية، نظراً لغياب الجزاء الذي يفترض أن يطول المخالفين، بغض النظر عن وزنهم الدولي، وذلك انطلاقاً من غياب السلطات الدولية القادرة على فرض احترام مقتضيات هذا القانون، من مؤسسات قضائية وأجهزة أمن قوية وفعالة، على عكس ما هو قائم بالنسبة للقانون الداخلي، وبين من رأى إلزامية هذا القانون، بالنظر إلى دوره البارز في تحقيق السلم العالمي، ووجود مؤسسات دولية تحظى قراراتها وتدابيرها الزجرية المختلفة بنوع من الإلزام في مواجهة أشخاص القانون الدولي، وارتباط الدول بشبكة معقدة من الاتفاقيات والمعاهدات التي تؤطر الشؤون والقضايا الدولية المشتركة في عدد من المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والخدماتية.

يشير الاتجاه المؤيد لإلزامية القانون الدولي إلى أن هذه الإلزامية تختلف عن تلك المتصلة بالقوانين الداخلية، ذلك أنه في الوقت الذي لا توجد فيه سلطة تشريعية لسنّ قواعد القانون الدولي التي غالباً ما تتأتّى عن طريق العرف الدولي، فإن هناك سلطة عليا تفرض احترام القانون الدولي، وهي تتجسد في مختلف الجزاءات والعقوبات التي تواجه الأطراف الدولية التي تخرق أو تخالف مقتضيات القانون الدولي، والتي تتركز في قطع العلاقات الدبلوماسية، وفرض الحظر الاقتصادي، وتحريك العمل العسكري.

وفي هذا السياق، تشير المادة التاسعة والثلاثون من ميثاق الأمم المتحدة، إلى أنه: «يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم، أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرّر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه»، حيث تطرح المسؤولية الدولية كردّ فعل على خرق أو تجاوز القانون الدولي العام، كما يشكّل تطوّر القضاء الجنائي الدولي، مؤشراً على تطور إلزامية القانون الدولي العام. ويضيف أصحاب هذا الاتجاه أيضاً، أنه لا يمكن إنكار تطور القانون الدولي.

أما الاتجاه الذي ينكر على القانون الدولي إلزاميته، فينطلق من أن سيادة الدولة تفرض عدم خضوعها لأي سلطة أخرى، فيما يكون الخضوع لهذا القانون رهيناً بإرادة الدولة نفسها، وهو ما تجسده الكثير من مظاهر الفوضى القائمة في العلاقات الدولية من حروب وصراعات واعتداءات مختلفة.

ويبرّر رواد هذا الرأي مواقفهم بهشاشة آليات القانون الدولي، ذلك أن الأمم المتحدة تظل منظمة دولية لا تجسّد حكومة عالمية بسلطات فوق وطنية، كما أنه (القانون الدولي) لا يستند إلى هيئة تشريعية تسهم في إثرائه، ولا يتوفر على آليات صارمة تضمن إلزاميته في مواجهة كل الدول، وبخاصة القوية منها.

فتحريك التدابير الزجرية بموجب الفصل السابع من الميثاق الأممي في مواجهة الدول التي تنتهك مقتضيات القانون الدولي، غالباً ما تطول الدول الضعيفة، بينما تظل الدول الكبرى محصنة ضد هذه التدابير، رغم ما ترتكبه من خروق واعتداءات.

ويكرّس استخدام حقّ «الفيتو» داخل مجلس الأمن، باعتباره المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، تلك الرؤية التي ترى فيها الدول الكبرى القانون والمؤسسات الدولية، مجرّد آليات لخدمة مصالحها الضيقة، ما يسهم في مصادرة مهام المنظمة الدولية في تطبيق القانون الدولي في كثير من الحالات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4s2hw7wv

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"