«ونحن نحبّ الحياة»

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

نبدأ باستعادة حكاية المعلم الفلسطيني، الغزاوي، طارق العنابي، الذي اختار زاوية في مدرسة إيواء برفح ليحوّلها إلى صف لتعليم التلاميذ الذين فرّوا مع أهاليهم إلى تلك المدرسة، بعد أن هُجّروا من منازلهم، حيث وضع عدداً محدوداً من الكراسي في حدود ما تسمح به المساحة، ليجمع فيه من استطاع من التلاميذ الذين فقدوا فرصهم في التعليم منذ بداية الحرب. ولم تكن غاية العنابي تنحصر في إعادة التلاميذ والتلميذات إلى أجواء المدرسة، وإنما أيضاً السعي لإخراجهم من أجواء الحرب، رغم أن أصوات القصف الإسرائيلي لا تتوقف وهو يقف أمامهم ممسكاً بطبشورة أمام السبورة الصغيرة وهو يشرح الدروس.

ولعلّ الكثيرين منكم يتابعون، على مواقع التواصل الاجتماعي، الفتى الفلسطيني ذا السبعة عشر «عبود»، الذي بقي، مع عائلته، في شمال غزّة رغم تهجير أغلبية سكانه، وحقق شهرة واسعة لقيامه بنقل الأوضاع هناك بالصوت والصورة وبطريقة مميزة تقوم على السخرية، تبعث على الدهشة، فكيف لفتى في هذا العمر، ووسط كل هذا الدمار والقتل والقصف الذي لا يتوقف من حوله، أن يحافظ على تماسكه وجرأته، وينقل من خلال أدوات بسيطة، هاتف ومايكروفون، واقعاً محزناً، رغم أن الابتسامة الساخرة لا تفارق محيّاه وهو يبث رسائله المصورة الحيّة؟

الفتى عبود والمعلم العشريني طارق ليسا سوى مثالين، من بين آلاف الأمثلة، التي تُذكرنا بقصيدة محمود درويش: «ونحن نحبّ الحياة»، وهو يتحدث عن شعبه الفلسطيني: «ونحنُ نُحبّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا/ ونرقص بين شهيدين/ نرفع مئذنة للبنفسج بينهما أو نخيلا/ ونسرق من دودة القز خيطاً/ لنبني سماء لنا ونُسيّج هذا الرحيلا/ ونزرع حيث أقمنا نباتاً سريع النمو/ ونحصد حيث أقمنا قتيلا/ ونكتب أسماءنا حجراً/ أيّها البرق أوضح لنا الليل، أوضح قليلا».

سيرة الفلسطينيين الموجعة على مدار 75 عاماً، وما حملته من مجازر وتدمير وتهجير من الديار وحرمان من أبسط الحقوق، وفي مقدمتها الحق البديهي الذي تتمتع به بقيّة شعوب العالم، وهو الحق في إقامة دولتهم الوطنية المستقلة على أرضهم، أظهرت تمسكهم بالحياة، واحتفاءهم بها في مواجهة آلات التدمير والقتل والتهجير، ومن هنا جديرة بالتقدير مبادرة منظمي هذه الدورة من «مهرجان طيران الإمارات للآداب» بتنظيم أمسية تحت عنوان: «ونحن نحبّ الحياة»، مستوحية العنوان من قصيدة درويش، لتسليط الضوء على تجربة الشاعر في الحياة وفي الشعر.

دلالة الأمسية لا تقف عند تقدير تجربة الشاعر ومكانته، فهي، أيضاً، تقدير لكفاح شعب فلسطين من أجل حقه في الحياة، ومن أجل أن تبقى قضيته حيّة رغم بطش العدوان ووحشيته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5hatemdr

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"