القضية الفلسطينية وتحوّلات النظام الدولي

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

كانت القضية الفلسطينية من ضمن أولى القضايا الدولية الساخنة التي طرحت داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها سنة 1945، وقد مثلت امتحاناً حقيقياً لمصداقية هذه الهيئة التي جعلت من حفظ السلم والأمن الدوليين وحماية حقوق الإنسان من ضمن أهم مقومات وجودها، حيث أصدرت الهيئة مجموعة من القرارات والتوصيات، سواء من قبل مجلس الأمن أو الجمعية العامة، .. وهي تمثل في مجملها مرتكزاً لتأكيد الحقوق الفلسطينية المشروعة.

غير أن هذه القرارات ظلت بلا فعالية، في غياب تدابير وإجراءات تدعم تنفيذها ميدانياً، ناهيك عن انعكاسات استعمال حق الاعتراض (الفيتو) الأمريكي داخل مجلس الأمن على هذه القضية بسبب ظروف الحرب الباردة التي أسهمت في شلّ مجلس الأمن. فما بين سنتي 1948 و1989 أصدرت الجمعية العامة ومجلس الأمن 300 قرار إدانة لإسرائيل، إلا أنها لم تسهم في ردعها، وخلال المدة نفسها دان مجلس الأمن إسرائيل 46 مرة، كان بالإمكان أن تصل إلى 68 مرة لو لم تستعمل الولايات المتحدة حق الاعتراض لمصلحة الاحتلال، وهو ما جعل القضية تتأثر بشكل سلبي بظروف الحرب الباردة التي كان لها الأثر الكبير في تجميد عمل الأمم المتحدة.

وقبيل انهيار الاتحاد السوفييتي في أواخر ثمانينات القرن الماضي، حدثت مجموعة من المتغيرات، أثّرت بشكل كبير في هذه القضية، ففي الوقت الذي كان فيه «غورباتشوف» منشغلاً بتطبيق سياسة «البيرسترويكا» التي طرحها لإنقاذ الاتحاد السوفييتي (سابقاً)، وبينما كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993) تجلب الاهتمام والتأييد الدوليين، كانت هناك مجموعات كبيرة من اليهود السوفييت تتوافد على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ضمن أكبر موجات للهجرة التي شهدها التاريخ الإنساني المعاصر.

وعندما اندلعت حرب الخليج الثانية، تحوّلت أنظار العالم نحو العراق، ما أدى إلى تراجع بريق الانتفاضة، ورغم الآمال التي برزت في أعقاب انطلاق ما سُمّي بمفاوضات السلام بين إسرائيل والأطراف المعنية بالصراع، بعد انطلاق مؤتمر مدريد الذي رعته الولايات المتحدة وروسيا. غير أن المفاوضات بين الجانبين لم ترتكز إلى قرارات مجلس الأمن الحاسمة (242 و338 و181). ورغم تبادل الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني (منظمة التحرير الفلسطينية) رسائل الاعتراف، وإبرام الاتفاق بشأن الحكم الذاتي، فإن تنكر إسرائيل للاتفاقيات المبرمة في هذا الخصوص، واستمرارها في بناء المستوطنات وترحيل الفلسطينيين واعتقالهم، كلها عوامل أثرت بشكل سلبي في مسار القضية.

وقبيل وقوع أحداث 11 سبتمبر، كانت انتفاضة الأقصى في أوجها، حيث تنامت حينها المطالب الفلسطينية والدولية والعربية وحتى من داخل إسرائيل بشأن قيام دولة فلسطينية، غير أن انشغال العالم بهذه الأحداث وبانعكاساتها المختلفة، دفع إسرائيل إلى استغلال الوضع بتكثيف تضييقها واعتدائها على الفلسطينيين.

ومن خلال هذه المعطيات، يبدو أن القضية الفلسطينية لم تُنصف، وظلت ضحية لنظام الثنائية القطبية، وكذلك لنظام القطبية الأمريكية.

كشف العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة مرة أخرى، عن وهم شعارات «النظام الدولي الجديد»، وأبرز الوجه الحقيقي لعدد من الدول الغربية التي لم تعبر عن رفضها وإدانتها للجرائم اليومية التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني، كما أبرز ضعف وهشاشة الأمم المتحدة المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين.

يمرّ العالم في الوقت الراهن بمرحلة حرجة ومفصلية، يُنتهك فيها القانون الدولي بشكل صارخ، حيث أضحى منطق القوة هو المهيمن. لا يمكن للطموحات الحالية لروسيا والصين نحو إرساء نظام دولي تعددي تلعبان فيه دوراً أساسياً إلى جانب الولايات المتحدة، أن تكتسي شرعية أو مصداقية، إلا ببلورة مواقف على قدر كبير من الجرأة والحكمة تجاه القضية الفلسطينية التي تشكّل اليوم دليلاً على إفلاس النظام الدولي الراهن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5n6rhx5a

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"