عادي
ناجح بالأرقام والمضمون والمجهود وعيون الجمهور ومعايير النقد

«الحريفة».. شباب يحاكون الشباب

22:39 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

درجت العادة في السنوات الأخيرة، أن يلهث المسؤولون عن الترويج والدعاية للأفلام السينمائية العربية خلف الأرقام، فيحصرون الأعمال وتقييمها في إطار المبالغ التي تحققها الإيرادات في شباك التذاكر، يقللون من قيمة العمل الذي قد يكون حقق تميزاً فنياً أعلى بكثير من قيمة المبالغ والأرباح، ويستحق إقبالاً أكبر من الجمهور قد لا يتحقق بالقدر المطلوب في الصالات، بينما تنصفه المشاهدة لاحقاً عبر المنصات والإنترنت والتلفزيون.. فيلم «الحريفة» يعتبر من الأعمال «المعجزة»؛ لأنه استطاع تحقيق إيرادات عالية جداً فتصدر شباك التذاكر، لكن «المعجزة» أنه حقق ذلك رغم خلوّه من أسماء المشاهير ونجوم الشاشة، معتمداً على مجهود الشباب، وجوه محبوبة قادها نور خالد النبوي، فحققوا قفزة تجاوزت أفلاماً كثيرة معروضة في الصالات بأسماء «نجوم» في الكوميديا.. شباب يحاكون الشباب ويثبتون أنهم «حريفة» كتابة وإخراجاً وتمثيلاً.

نبدأ الحديث عن «الحريفة» من الآخر، إنه فيلم ناجح بالأرقام وبالمضمون والمجهود وبعيون الجمهور وبمعايير النقد، لا يمكنك حصره بنوع محدد، فهو ليس كوميدياً ولا ينتمي إلى الرومانسية ولا الدراما الاجتماعية ولا المغامرات.. بل هو خلطة من كل شيء، يشبه واقع الحياة بكل ما فيها من تشكيلة الدراما والمرح والتشويق والهبوط والصعود والحزن والفرح والثراء والفقر، حتى إنه يجمع بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، فيأتي ببطله من زبدة المجتمع والطبقة الميسورة والراقية ومجتمع طلاب المدارس الخاصة إلى الطبقة الأدنى، حيث «العيش على قد الحال»، والطبقة المتعسرة والأحياء الفقيرة والشعبية ويصبح من طلاب المدارس الرسمية.. الكاتب إياد صالح اختار قصة بسيطة، لم يبتكر فيها أحداثاً لم نر مثلها على الشاشة، لكنه اعتمد حبكة متقنة فأتقن حياكتها ببساطة وبكثير من الصدق في المشاعر واختيار للكلمات والحوار، رسم شخصيات من لحم ودم ومن قلب المجتمع لا من خيال وحبر وورق، كلها شخصيات تشبه الجمهور الذي سيدفع ثمن التذاكر ليشاهدها تتحدث بلسانه، وتجسد قصصاً تشبه قصصه وتمشي في شوارع، وتتنقل في بيوت تشبه بيوته وشوارعه، وتحلم بانتصارات تشبه أحلامه. التقت واقعية إياد صالح مع رؤية المخرج رؤوف السيد الذي طلب من المنتج طارق الجنايني أن يهدي هذا العمل لروح صديق عمره وطفولته الذي تربى معه وترافقا وحلما معاً بتصوير فيلم عن كرة القدم، الراحل هيثم أحمد زكي، لذلك يتصدر الإهداء بداية الفيلم على الشاشة. فيلم يكتب شهادة نجاح للمخرج رؤوف السيد، لأنه قدم عملاً راقياً رغم شدة بساطته، لم ينجرف خلف التفاهة أو الصورة المشوّهة والعشوائية ولم يسع إلى الإسفاف في اختياره للأحياء الشعبية، اختار تقديم صورة الطبقة البسيطة والفقيرة بعين القبول والاحترام، لا مخدرات ولا مشاهد مقززة، أحياء فقيرة وغرفة فقيرة فوق السطوح ومائدة من أبسط الموائد، لكنها شهية نظيفة تقبلها العين ويحبها القلب، رغم أنه تعامل مع نص يحكي عن شباب من طبقة ثرية وآخرين من قاع المجتمع.

سينما نظيفة

هذا ما يصح القول فيه إنه سينما نظيفة، (اللقب الذي أطلقوه سابقاً على الأفلام الخالية من المشاهد العاطفية) تحترم العين والمشاعر بلا تشويه للطبقات الاجتماعية، وبلا لصق أبشع الصفات في كل مرة تتناول فيها الشاشة طبقة فقيرة أو الدخول في عالم العشوائيات من بذاءة وشتائم ومخدرات وتحرش.. نعم، في «الحريفة» لغة الشارع المتداولة وكلمات وألقاب يتعلمها بطل الفيلم، كي يتمكن من الانخراط وسط طلاب المدرسة الرسمية الذين سخروا من أناقته ولغته الإنجليزية ولقبوه ب «ابن الناس»، لكن كل الكلام والألقاب والتصرفات مقبولة لا تخدش ولا تجرح ولا تنفّر المشاهد، بل تدفعك إلى الضحك أحياناً.

فلنعد إلى البداية، نحن أمام قصة طالب الثانوي ماجد، الذي يؤديه نور النبوي في أول بطولة سينمائية مطلقة له، يحكيها بنفسه معرّفاً عن واقعه الذي تغيّر، قائلاً «بس أنا حكايتي ما ما بدئتش كده»، فنذهب معه إلى قصة اجتماعية لشاب ينتمي إلى أسرة ثرية، تعيش في فيلا ضخمة وسيارات فارهة ووالدته تجهز لحفل عيد ميلادها الذي تقيمه في الفيلا كما جرت العادة في كل مناسبة.. يعشق ماجد كرة القدم، ولديه مجموعة من أحذية الرياضة المميزة من أغلى الماركات العالمية، ويعتبر من أهم لاعبي فريق مدرسته «إم إيه إس»، يحب زميلته لانا (نور إيهاب) ويستعدان للمخيم الصيفي الذي تقيمه المدرسة خلال العطلة في دولة أوروبية. يصطدم خالد بحقيقة مرّة حين يخبره والده (فراس سعيد) أنه أفلس ومضطر لبيع الفيلا والسيارات وكل ممتلكاته لتسديد الديون، ما يعني حرمانه من المخيم الصيفي ونقله وشقيقته ميمي (الطفلة ريما مصطفى) إلى مدرسة رسمية وانتقال الأسرة للعيش مع جدته (ليلى عز العرب ضيفة شرف) في منزلها.. انتقال لا يعني فقط الانتقال الجسدي من فيلا إلى شقة، ومن مجمع سكني إلى حي راقٍ وسط القاهرة، ومن مدرسة خاصة إلى مدرسة «الأبطال» الرسمية، بل هو انتقال نفسي جسده نور النبوي ببراعة، فمن شاب مغرور يتعامل بعنف مع منافسيه في كرة القدم وفي المدرسة، إلى شاب متواضع تعلم أن يقدّر قيمة الأشياء وعرف معنى ضيق الحال وعدم البذخ، بل عدم الحصول على كل ما يحتاج إليه ويشتهيه، والأهم أنه عرف قيمة العمل الجماعي والتعاون والتضحية من أجل الآخرين. يتعرض ماجد للتنمر من قبل «الشلّة» الأقوى زعيمها الششتاوي (أحمد غزي)، ومساعده حته (يؤديه أحمد خالد مغني المهرجانات المعروف بكزبرة)، والنُّص (خالد الذهبي)، وكريم (سليم الترك).

مشهد رائع

مشهد دخول ماجد في أول يوم له في المدرسة رائع، معبّر جداً بلا أي كلام عن الفرق الشاسع بين البيئة التي أتى منها ماجد وتلك التي يُقبل عليها حديثاً، تعامل الطلاب معه ونظرته لهم، شعوره بالضيق من تنمرهم دفعه للطلب من شقيقته الصغيرة، نجمة التيك توك تعليمه لغة الشارع ليستخدمها في المدرسة.. الطالب عمر (عبد الرحمن محمد) كان أول من احتضن ماجد وساعده في المدرسة، ووحدها هواية البطل واحترافه للعبة كرة القدم استطاعت تقريب المسافات بينه وبين الشلّة، انضم إليهم وصار عنصراً مهماً، بل انخرط سريعاً في أجوائهم.. وتعلم أنهم لا يلعبون خارج المدرسة أي مباراة كرة إلا من أجل كسب المال، لتسديد ديون كريم وإخراجه من السجن أو إجراء عملية لوالدة حته أو مساعدة أي واحد من الفريق، إلى أن يقرأ ماجد عن مسابقة «الحرّيفة» تقام بين الفرق المدرسية وجائزتها مليون جنيه، فيشجّع رفاقه على التقدم باسم المدرسة، ويوافق مدرّسهم محمد شلش (نجم كرة القدم السابق أحمد حسام ميدو) على تدريبهم.

نور موهوب

النجاح كبير لنور النبوي الذي أثبت منذ ظهوره في عدة مسلسلات أنه لا يستند إلى شهرة والده خالد النبوي، بل هو موهوب ولديه كاريزما عالية، لكن النجاح هنا لا ينسب لنور وحده، بل هو نجاح لكل المجموعة التي عملت في الفيلم، وكسرت قوالب الاعتماد على أسماء نجوم كبيرة ومشاهير، بل نلاحظ أن وجود بيومي فؤاد وليلى عز العرب وشريف الدسوقي، ضيوف شرف، هو مرور عابر لا يضيف إلى العمل ولا يؤثر في مجريات الأحداث.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2ccsshvz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"