رأي في مفهوم التراث

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

كيف هي نظرة العالم العربي إلى تراثه؟ الجواب الأيسر والأقرب، حين تكون العين بصيرةً واليد قصيرةً، هو أن نظرة العرب إلى تراثهم تراثيّة. عبارة «تجاوزها الزمن» جارحة، وقد أوصانا النحاة والفقهاء بأنه: «إنْ بشكلٍ خيفَ لَبْس يُجتنبْ». صِحتُ بالقلم: ويحك، ما هذا الخروج عن دماثة التعبير؟ هل علينا أن نضع أفكارنا وآراءنا، على الرفوف بينما هي دائماً «مصيبة»، أو أن نعرض روائع قدمائنا في المتاحف، وكأنها منتهية الصلاحية؟

قال: معاذ الله، لم يكن ذلك قصدي ولا مقصدي، وإلا لكنت المتعدّي المعتدي. كل ما خطر لي هو أن الأمم والشعوب، التي تجلّ أعلامها، لا ترى أجيال القرون الماضية أمواتاً بل أحياءٌ جاريةٌ أرزاقهم. الصينيون لا يرون حكمة كونفوشيوس وعرفان لاو تسو تراثاً، وكيف يعدّون قممهم أرشيفاً، بينما البنتاغون طبّق استراتيجيات الجنرال صن تزو (القرن السادس ق.م) في كتاب «فن الحرب» على أفغانستان والعراق، وقبل ذلك، والحبل على الجرّارّ؟

الأوروبيون، والغرب عموماً، فضلاً عن اليونانيين، لا يرون فلاسفة اليونان، منذ ما قبل السقراطيين، ولا فلاسفة القرون الوسطى، ولا من أتوا في عصر النهضة فصاعداً، تراثاً. متابع الفلاسفة الأحياء اليوم، وأساتذة الفلسفة، قد يعجب من أنهم يلهجون بأفلاطون وأرسطو وديكارت، كعقول فاعلة. بريطانيا لا ترى شكسبير تراثاً، ولا الفرنسيون ينظرون إلى راسين، موليير وكورناي، كتراث مسرحي.

النظرة إلى التراث والميراث والموروث، يجب أن تبدأ من الجذر الثلاثي «ورث»، ويعني انتقال ملكية، من شخص مادّي أو معنويّ، إلى آخر رحل. هكذا نتبين المفهوم الذي هو أحق بأن يُتّبع. كل ما هو مادّي يمكن أن يكون في عداد الملكية والإرث والتركة. الأهرام تراث مصري، والأكروبول لليونان، وتدمر لسوريا، وقرطاج لتونس، والبتراء للأردن إلخ. أمّا جلال الدين الرومي، فلا مسقط رأسه بلخ في أفغانستان، ولا إيران، التي كتب بفارسيتها كل أدبه الصوفي، ولا تركيا التي قضى حياته فيها ووُوري الثرى في قونية، تستطيع أن تدّعي ملكيته. حتى الانتماء إلى بلد واحد لا يبرّر الملكية الخاصة التي يعنيها التراث كإرث. عالمية موتزارت لا تسمح بأن يكون تراثاً نمساويّاً. هو نفسه لم ير نفسه يوماً نمساويّاً، فقد ولد في سالزبورغ، حين كانت من توابع ألمانيا.

علينا تجنّب المبالغة، فالموروث الشعبي (الفولكلور) من أمثال شعبية، رقصات، أهازيج، وما إليها، ليست مادّية، لكنها ملكية خاصة للشعوب.

لزوم ما يلزم: النتيجة التوفيقية: ما يرقى إلى الفلسفة والفكر والآداب والفنون العالمية، لا ينبغي أن يُعدّ في التراث، إلا إذا جرّدنا عمالقتها من الحياة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/bdzk99h4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"