ورطة أوكرانيا

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

ربما لم تتصور الأطراف المشاركة في الحرب الروسية الأوكرانية، عشية اندلاعها، أن أمدها قد يطول إلى أكثر من عامين من دون أفق واضح لنهايتها. حسبت روسيا أن «العملية العسكرية الخاصة»، كما تسمِّي الحرب، لن تستغرق أكثر من أسابيع تردع خلالها أوكرانيا وتلجم رغبتها في تهديد الأمن القومي الروسي بإيعاز من حلف «الناتو»، خاصة دوله الكبرى.

أوكرانيا أيضاً كانت تتصور أن من يقف خلفها قادر على أن يجعل ميزان القوى في صالحها بأسلحته ودعمه السياسي ليس إلى حد ردع روسيا فحسب وكفّ يدها عن تهديد جارتها، وإنما تجريدها من المكاسب الجغرافية والسياسية التي حققتها في جولات سابقة من المواجهة.

أما وقد خابت رهانات الطرفين، فها هي الحرب تدخل عامها الثالث مع استقرار القناعة بأنها ليست روسية أوكرانية، بل روسية غربية، بناء على تداعيات العامين التي فرضت تغيير الأساليب والخطط أكثر من مرة على الجانبين، وكذلك تأثيرها في مسابقات فرض النفوذ التي كانت الولايات المتحدة تتوهم أنها ستنتهي هذه المرة بتقليم أظافر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلى نحو سريع يسنده دعم كييف عسكرياً، ومعاقبة موسكو اقتصادياً ليدفع أثماناً متنوعة تنهي طموحه المزعج للغرب.

ورغم كل ما جرى في بلاده بأثر الحرب، لا يزال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يقول إنه قادر على هزيمة روسيا ومن ثم نهاية الحرب بشروط تحقق السلام العادل. ولسنا في حاجة إلى تكرار أن زيلينسكي في يقين معظم المراقبين مجرد متحدث باسم المعسكر الغربي، تعلو لهجته وتخفت، وتزداد آماله وتبهت وفق موجات الوعود الآتية من داعميه ثم خيباته أمله التي عبرّ عنها مرات.

ليس في يد الرجل ما يجعله قادراً على تصور الآتي، لذلك هو رهن دائماً بما يقوله حلفاؤه، يبشّر بهجوم مضاد في كل الفصول ثم ينتهي الأمر إلى سراب وخسائر بشرية وعسكرية، ولا يردعه ذلك عن الرهان على الدعم الغربي، هو الآن معذور في ذلك، فلا مجال بعد عامين من الورطة للتراجع، خاصة أن حلفاءه يدفعونه إلى الغوص أكثر في الرمال بإغراءات الدعم نفسها التي لم تتحقق بالقدر الذي يضمن انتصاره الذي يثق في تحقيقه.

والورطة وصف يصح أيضاً على وضع روسيا التي تُستنزف في حرب لم تتحسب لطولها، لكنها تقول إن خوضها فُرض عليها أمام تهديد وجودي من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. وليس بوسع روسيا أيضاً عند النقطة الحالية أن تتراجع، فهي صامدة في وجه العقوبات الاقتصادية وقادرة على ابتلاع آثارها، ومنتصرة بالمفهوم العسكري قياساً على ما تسيطر عليه من أراضٍ أوكرانية.

وبالطبع، لا تقتصر الورطة على الطرفين الرئيسيين في الحرب: روسيا وأوكرانيا، فدعم كييف كلف الإدارة الأمريكية الكثير، وهو أحد الملفات الخلافية مع «الكونغرس»، والأوروبيون مستنفرون منذ عامين وحلمهم نهاية وشيكة للحرب المؤثرة فيهم سياسياً واقتصادياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/y2daypbf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"