أمريكا العجوز

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

لا يماري أحد في أن الولايات المتحدة التي نعرفها الآن ليست هي نفسها التي رسخت صورتها طويلاً في الأذهان، سياسياً وسينمائياً، باعتبارها القوة العظمي التي يمكن لها أن تحرك العالم بإشارة، أو تملك من النفوذ والتفوق «السوبرماني» ما يجعلها قادرة على فعل أي شيء، في أي وقت.

نحن الآن أمام بلد تستبد به الشيخوخة، المعنوية والمادية، يمضي، ما لم يتغير في الأمر شيء، نحو انتخابات رئاسية، بعد أربعة أشهر، بخيارين، كلاهما حتى الآن شائخ بالمعنى الذهني، أحدهما رئيس سابق قدّم من صور الأداء السياسي ما وصفه كثيرون بالحماقة والتهوّر، والآخر حالي تنال تصرفاته من ملامح القوة المرتبطة بأمريكا.

دونالد ترامب المقبل على الثمانين، وجو بايدن الذي تجاوز هذا العمر بعام، لا يمكن طبعاً تقييم أدائهما، أو صلاحيتهما استناداً إلى العمر فقط، فالشيخوخة مرحلة حتمية، ولا تعني أبداً انسحاب الشخص من ميدان الحياة ما لم تؤثر في قواه الذهنية والصحية، بخاصة إذا كان مكلفاً بقيادة بلد بأهمية أمريكا.

انحصار الصراع، حتى الآن، بين الرجلين هو جزء من جمود أمريكا، وتضاؤل هيبتها السياسية، وهما ملمحان يمكن إدراكهما أولاً في تراجع تأثيرها في العالم، ومعاندتها لصور التحول التي تجري فيه نحو تعدد الأقطاب، وانشغال قوى أخرى ببناء تكتلات وتحالفات تبدّد الأحادية، أو حتى الثنائية.

يكتفي بايدن بالكيد السياسي للصين وروسيا، اللذين يتحركان بحيوية في العالم، وحتى المنافس ترامب يرى أن نجاح الرئيس الأمريكي في الاستمرار في الحكم فرصة لتعاظم الدور الصيني، من دون أن يتحدث كثيراً عن مستقبل أمريكا نفسها.

من المفارقات أن الولايات المتحدة كانت تعتبر كِبر سِنّ بعض قادة الدول في مرحلة ما، نقيصة، ومبرراً للتدخل، لكنها وصلت إلى مرحلة أصبح فيها المتنافسان الرئيسيان على حكمها يدوران حول الثمانين، وهذا، مرة أخرى، دليل جمود لا يراه العالم فقط، بل يقلق الداخل الأمريكي، وبالأخص الحزب الديمقراطي الذي يمثله بايدن، إلى حد المطالبة بانسحابه، أو البحث عن صيغ قانونية لاستبداله، وطرح أسماء كثيرة تصلح لخوض السباق إلى البيت الأبيض بدلاً منه.

لم يكن مُتصوراً أن تكون أزمة أمريكا، في وقت ما، على هذا النحو الذي صنعته زلّات جو بايدن خلال الفترة الماضية، حتى بانت خطورتها في مناظرته مع دونالد ترامب التي أثبتت للكثير، أن الرئيس الحالي ليس أهلاً صحياً، وذهنياً، للاستمرار.

حتى ترامب، يضغط دوماً على هذا الجرح الديمقراطي الذي زاد ألمه لحزب بادين، ومناصريه، بعد المناظرة إلى حدّ صراخ بعضهم طالباً وقف الكارثة السياسية التي يسببها استمراره مرشحاً.

قد تتبدل ثنائية بايدن – ترامب بحلول الجمعة، الموعد الذي يأمل الديمقراطيون أن ينسحب بحلوله الأول من السباق، تاركاً المهمة لنائبته الستينية كامالا هاريس، لعلّها تصلح ما أفسده الزمن في وجه أمريكا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p7huahz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"