«روابط القرى 2»

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

خطة «حكم العشائر» لقطاع غزة التي يروج لها بنيامين نتنياهو في إطار مشروعه لما يسمى «اليوم التالي للحرب»، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن إسرائيل لم تتعلم أو لا تريد أن تتعلم من تجاربها السابقة، ولا من تجارب غيرها، في فرض «إدارة مدنية» محلية موالية لها لكي تتفرغ هي لبسط سيطرتها الأمنية والعسكرية على القطاع.

في سبعينات القرن الماضي حاولت إسرائيل إنشاء ما يسمى «روابط القرى» كسلطات إدارية محلية مدعومة من الاحتلال في الضفة الغربية بذريعة فض المنازعات العشائرية وتحسين شروط حياة السكان، بينما كانت تهدف، في الحقيقة، إلى خلق قيادة فلسطينية بديلة عن منظمة التحرير لكي تكون مستعدة لتأييد اتفاقات كامب ديفيد وقادرة على المشاركة في مفاوضات الحكم الذاتي المقترحة آنذاك. لكن هذه الخطة فشلت فشلاً ذريعاً بعدما أجريت انتخابات بلدية في قرى ومدن الضفة مطلع الثمانينات أسفرت عن فوز ساحق لأنصار منظمة التحرير الفلسطينية.

اليوم تسعى السلطات الإسرائيلية لاستنساخ تلك التجربة بإنشاء «روابط القرى 2» في قطاع غزة عبر خلق كيانات عشائرية متعاونة معها، على أن تقوم بتسليح عناصرها ودعمها، لإثبات مزاعم نتنياهو بإمكانية إيجاد بديل عن حكم «حماستان» و«فتحستان» معاً. وهو ما يتناقض مع مساعي الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية تضم قطاع غزة والضفة الغربية كحل نهائي للصراع وإعادة الأمن والاستقرار في المنطقة. لكن هذه المحاولة الإسرائيلية أخطر بكثير، هذه المرة، إذ إنها تأتي في خضم حرب لم تحسم بعد، ولا تزال «حماس» والفصائل الفلسطينية الأخرى موجودة على الأرض، وهو ما يعني إغراق القطاع في حالة من التناحر والفوضى وربما الاقتتال الداخلي، ما يساعد إسرائيل على ترويج مقولتها في فرض الحل الأمني وإدامة الاحتلال، وهو ما يُرضي أيضاً حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف الذين يتطلعون إلى تهجير الفلسطينيين وإعادة الاستيطان في القطاع.

لكن إسرائيل التي حاولت بالفعل الاتصال ببعض العشائر، حسب بعض التسريبات، أخفقت في تجنيد أي منها، حتى الآن. وقيل، في هذا الصدد، إن العملية الإسرائيلية في حي الزيتون بمدينة غزة، مؤخراً، كانت تستهدف السيطرة على الحي وتسليمه لبعض العناصر العشائرية، وتكليفهم، كتجربة أولى، بحماية شاحنات المساعدات وتوزيعها، لكن هذه العملية انتهت إلى نتائج عكسية بإحكام الفصائل سيطرتها التامة على هذا الحي.

ومن الواضح أن إسرائيل لن تتوقف عن مثل هذه المحاولات، لأنها لا تريد أن تأخذ في الاعتبار ما آلت اليه «روابط القرى» في الضفة الغربية، ولا أن تتعلم من سقوط محاولات وتجارب مماثلة، سعت الولايات المتحدة لفرضها في العراق وأفغانستان. كما أنها لا تريد أن تستوعب أن أي محاولات أخرى من هذا النوع محكوم عليها بالفشل، لأن القضية الفلسطينية متجذرة في عقول الفلسطينيين أكبر بكثير مما يعتقده نتنياهو وحكومته المتطرفة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mpe6p3af

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"