عادي
البيئة في الإسلام

الاعتدال في استخدام الموارد منهج شرعي يحقق التوازن

23:42 مساء
قراءة 4 دقائق
د. هاني تمام - د. نوح العيسوي

اهتمت الشريعة الإسلامية بالحفاظ على البيئة لتحقيق مصلحة الإنسان، وسبق الإسلام جميع النظم الحديثة في الدعوة للحفاظ على الموارد،. وفي ظل التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية بدأ المجتمع الدولي يولي قضية البيئة عناية كبيرة، وتلاحظ أن البرامج والخطط التي عرضتها المنظمات الدولية المعنية بالمناخ، تتوافق مع منهج الإسلام في حماية البيئة.

وحول الضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية للحفاظ على التوازن البيئي، يقول د.هاني تمام، أستاذ الفقه المساعد في جامعة الأزهر بالقاهرة: إن الشريعة الإسلامية سبقت النظم الحديثة في الدعوة للحفاظ على البيئة وحمايتها، ودعوة الإسلام لحماية البيئة من التلوث وترشيد الاستهلاك والحفاظ على الموارد وحسن استخدامها، والحث على الزراعة واستصلاح الأراضي، ووضع ضوابط للصيد، وغيرها من الأمور التي حثت عليها الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالبيئة والكون والمناخ، كلها تنطلق من مبادئ الشريعة التي تقوم على حفظ النفس والدين والعقل والمال والعرض.

والمؤكد، وفق د.هاني تمام، أن تعاليم الشريعة الإسلامية سبقت النظم الحديثة في الدعوة للحفاظ على الموارد وحسن استغلال الثروات الطبيعية تحقيقاً للتوازن البيئي، وهذا دليل على أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأن الشريعة الإسلامية تستوعب كل القضايا، من خلال الاستنباط والاجتهاد في استخراج الأحكام الفقهية في المستجدات ومنها ظاهرة التغيرات المناخية، فكل ما يحافظ على النفس البشرية ويمنعها من الهلاك ويؤدي لتحقيق مصالح الإنسانية، يتوافق مع منهج الإسلام.

ويصيف: اهتم الإسلام بموضوع البيئة وضرورة التعامل معها على أنها ملكية عامة يجب المحافظة على مكوناتها وثرواتها ومواردها، إذ يقول الحق سبحانه وتعالى: «كُلُواْ وَٱشرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعثَوۡاْ فِي ٱلأَرۡضِ مُفسِدِينَ» الآية 60 سورة البقرة، ويقول عز وجل «وَلَا تُفسِدُواْ فِي ٱلأَرۡضِ بَعدَ إِصلَٰحِهَا» الآية 56 سورة الأعراف، وفي الحديث الشريف عَنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:«الإيمانُ بِضْعٌ وسَبْعونَ أو بِضْعٌ وسِتُّونَ شُعبةً: فأفضلُها قولُ لا إِلهَ إلَّا اللهُ، وأدْناها إماطةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ، والحياءُ شُعْبةٌ مِنَ الإيمانِ» متَّفقٌ عليه، وفي ذلك تأكيد لأهمية رفع الأذى عن كل ما يضر بالإنسان، وبيان عظيم الثواب المترتب علي فعل ذلك، ويمكن الاستفادة وتطبيق المعني المقصود من هذا الحديث في كل ما يحقق مصلحة الإنسانية.

يؤكد د.نوح العيسوي، وكيل وزارة الأوقاف المصرية، أن الله، عز وجل، خلق الكون بنظام محكم دقيق، وجعل لكل عنصر فيه دوراً في حفظ اتزانه، والله سبحانه وتعالى استخلف الإنسان في الأرض لعمارتها، ونهاه عن الإسراف في كل شيء، وأمره بالاعتدال في كل شيء، بما في ذلك التعامل مع الطبيعة، تحقيقاً للتوازن البيئي الذي يكفل الاستمرار لكل هذه العناصر.

ويشير إلى أن أمر مخاطر البيئة اتسع اتساعاً باتت أدلة الشريعة الإسلامية في مواجهته بحاجة إلى تجديد في التناول، وإعادة صياغة تستمد من مصادر التشريع، التي نهت عن التبول في الماء الجاري أو الطرقات، ما يتجاوز تلك الصور المحدودة من التعدي قياساً على المخاطر المترتبة عليها، وبيان أن محل ذلك التعدي حق عام يجب أن يقدر كل إنسان مسؤوليته عنه.

ويقول: كما هو معروف بالحق العام الذي يُسأل كل إنسان عنه، فالماء في الأنهار والبحار والمحيطات حق عام، والهواء حق عام يجب على كل إنسان أن يحافظ عليه، والبيئة النباتية تمثل حقاً عاماً يُسأل عن المحافظة عليها كل إنسان، ولذلك ينبغي أن تكون قضايا البيئة وحمايتها ضمن الموضوعات التي تركز عليها الجهات المسؤولة عن نشر الوعي في المجتمعات.

ويضيف: حذرت الشريعة الإسلامية من مخاطر الفساد والإفساد في الأرض، لأنها بأصولها وفروعها وقواعدها الفقهية ومقاصدها الشرعية وبتوجيهات نصوص الكتاب والسنة النبوية أولت حماية البيئة ورعايتها والمحافظة عليها عناية خاصة، من منطلق أن كل ما يحقق مصالح البلاد والعباد من صميم مقاصد الأديان، فحيث تكون المصلحة المعتبرة فثمة شرع الله عز وجل، ومعلوم أن مخاطر التعدي على البيئة تعددت وتطورت وتسارعت على نحو ينذر بخطر داهم على الإنسانية جمعاء، وأن ما يترتب على هذه المخاطر من ضرر لا يقف عند حدود مرتكبيه أو دولهم أو إقليمهم، إنما يتجاوزهم إلي نطاق أوسع ربما يؤثر في الكرة الأرضية كلها وعلى البشرية جمعاء.

وحسب د.نوح العيسوي، حملت الشريعة الإسلامية الكثير من النصوص التي تحذر من الفساد والإفساد، لأنه من مهام الاستخلاف في الأرض دفع الفساد والإفساد عن الخلق والكون كله، يقول الحق سبحانه وتعالى: «فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلقُرُونِ مِن قَبلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنهَوۡنَ عَنِ ٱلفَسَادِ فِي ٱلأَرۡضِ» الآية 116 سورة هود، وإذا كان هذا اللوم لمن لم يقوموا بواجبهم في النهي عن الفساد في الأرض فما بالنا بمن يفسدون فيها اعتداء عليها بأي لون من ألوان الإفساد أو التجاوز أو التعدي الذي يشمل التجاوز البيئي وغيره. وكذلك قول الله سبحانه وتعالى: «ظَهَرَ ٱلفَسَادُ فِي ٱلبَرِّ وَٱلبَحرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ» الآية 41 سورة الروم، وهذه الآية الكريمة تؤكد أن الفساد في البيئة ظهر نتيجة التعامل غير السليم مع الأراضي والبحار والأنهار والموارد في الكرة الأرضية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4jsdc775

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"