عادي

كتاب «الألفاظ».. أقدم معجم في المعاني

22:59 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ
يتبادر إلى ذهن من يقابل عنوان «كتاب الألفاظ»، أنه أمام معجم يجمع مفردات اللغة العربية وفق بنية الكلمات الصوتية، كما هو معهود في المعاجم، إلا أنه في الحقيقة يختلف عن ذلك بسلوكه منهج ترتيب الألفاظ وفقاً لمعانيها، ليكون بذلك أقدم ما عرف من «معاجم المعاني» في التاريخ، وأهم مرجع في ذلك المجال، والكتاب من تأليف العالم النحوي أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن السّكّيت الذي عاش ما بين عامي 186ه - 244ه، و802 - 858م، وهو إمام من أئمة اللغة العربية، وأديب شهير، ولد في بلدة دورق، من كور الأهواز، في خوزستان، وانتقل مع أسرته إلى بغداد، وكان أبوه عالماً في النحو واللغة والشعر أيضاً، ويُعدّ من أصحاب الكسائي، وكان توّاقاً إلى تعلّم ولده، فأمضى ابن السّكيت فترة مع البدو لتعلّم اللغة العربية الأصيلة، وعندما عاد إلى بغداد درس على يد أساتذة من مشاهير العلم والأدب، كأبي عمرو الشيباني، والفرّاء، وابن الأعرابي، والأثرم، ونصران الخراساني.

عمل عالمنا مع أبيه على تأديب صبيان العامة في بغداد، وعلّم أولاد الوجهاء، كأبناء المتوكل العباسي، إلا أنّه لم ينصرف عن كسب العلم، رغم اشتغاله بتدريس مختلف فروع الأدب، كالنحو، واللغة، والشعر، والرواية، وعلوم القرآن، حتى التحق بركب علماء عصره كابن الأعرابي، وأبي العباس ثعلب، وأضحى من أبرز أهل اللغة والمنطق، وكان شاعراً أيضاً.

وفضلاً عن نشاطاته الواسعة في النحو واللغة، لعب دوراً مهما في حركة جمع الشعر العربي، وتدوينه، وكان في ذلك تلميذاً للأصمعي، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، وكان يروي عنهما، فبادر بعدهما إلى جمع الدواوين، والآثار المبعثرة لكثير من الشعراء، والتي تعدّ من الذخائر النفيسة في الأدب العربي، وفضلاً عن جمعه لتلك الآثار، فقد اهتم أيضاً بشرح وتفسير بعضها، وقلّما نجد ديواناً لم يروه شفهياً، أو تحريرياً، أو يشرحه ويفسّره، وتضم مروياته آثار أبي حيان التوحيدي، والخطيب البغدادي، والشمشاطي، وابن خلكان، وابن شاكر، وأبي حيان الغرناطي، وإضافة إلى «كتاب الألفاظ»، خلّف كتباً مهمة منها: «إصلاح المنطق»، و«الأضداد»، و«القلب والإبدال»، و«البحث».

ألفاظ

ولأن ابن السّكّيت اشتغل على ضبط الكثير من الكلمات العربية في كتابه «إصلاح المنطق»، وتناولها من حيث الصرف، والفصاحة، وعدم الفصاحة، والندرة، والشذوذ، وغيرها، فقد تناول اللغة العربية في «كتاب الألفاظ» من الناحية الموضوعية، فتعرض للإرث اللغوي العربي ووزعه حسب المواضيع العامة الموجودة في حياة العرب، ثم وزع ما اطّلع عليه من ألفاظ هذه اللغة في 148 باباً، مبوّبة موضوعياً، كالغنى والخصب، والفقر والجدب، والجماعة، والكتائب، وصفات النساء، والعقل والحزم.. إلى أن ختم بباب «ما تكلمت به العرب من المهموز فتركوا همزهُ فإذا أفردوه همزوه وربما همزوا ما ليس بمهموز»، مفسّرا، لكل ذلك ومستدلّا.

وبهذا جمع حصيلة ما خلّفه رواد البحث اللغوي، في حياة العرب، فنقل إلينا عن أبناء القبائل ورجالات العلم زاداً كثيراً، بأسانيد موثقة وتنسيق دقيق، ييسّر المعرفة والخبرة والإمتاع، فتقبّل علماء العربية هذا الصنيع بالتقدير والإجلال، ووظفوه في ما صنّفوا من معاجم المفردات والمعاني، وتناولوه تفسيراً، وتنمية، وتوجيهاً، ونقداً، في حواش وتعليقات وافرة، زادته غنى وسعة أفق ودقة بيان، وانتقل إلينا كل هذا كاملاً، في نسخ خطية قديمة موثقة، فصار الكتاب رافداً من أهم روافد اللغة العربية.

تناول الخطيب التبريزي في «تهذيب الألفاظ»، كتاب «الألفاظ» بالتشذيب والتيسير والتقويم والتفسير، غير أنه سار فيه على نسق ما جاء في الكتاب الأصلي، إلا أنه أجرى فيه تعديلات كثيرة، فحذف بعض العبارات والشواهد والمواد المكررة، وفسّر المفردات الغريبة والعبارات المشكلة، وقوّم الروايات المختلفة والتلفيق في الشعر.

آثار نفيسة

وكان أول من حققه وطبعه الأب لويس شيخو اليسوعي باسم «مختصر تهذيب الألفاظ (وهو متن كتاب الألفاظ)» في المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين في بيروت سنة 1897م، ويقول شيخو في مقدمة طبعته: «فإن ما وجدنا بين أدباء الوطن وعلماء الأجانب من الإقبال على مطالعة كتب اللغة - مما وضعه الأئمة الأقدمون - حملنا على المواصلة في إحياء آثارهم، ونشر تآليفهم النفيسة، التي كثيراً ما كنا نسمع باسمها ولا نأمل الحصول عليها، ومن جملة ذلك كتاب طارت شهرته، وعزّ وجوده مع وفرة مادّته وكثرة عائدته، ألا وهو كتاب الألفاظ لابن السّكّيت الذي كان اتخذه علماء العربية في أيام بهائها كدستور يرجعون إليه، ويعتمدون عليه، فتولينا طبعه من نسختين قديمتين (مخطوطتين) تُحفظان في خزانة كتب باريس ولندن، وفي الثانية شروح مطولة للشيخ الخطيب أبي زكرياء يحيى التبريزي، على متن ابن السّكّيت، وهذا هو الكتاب الذي دعاه شارحه بتهذيب الألفاظ، وأنجزنا طبعه منذ زمن قليل».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4v5f5rm8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"