عادي

«المحكم».. إرث إمام اللغة

22:41 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ

كان أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسيّ (398ه/1007م - 458ه/ 1066م)، فقيهاً لغوياً ونحوياً وأديباً، وضليعاً بالقراءات، وإلى جانب ذلك عني بالمنطق كثيراً، وسار فيه على مذهب متى بن يونس، ولد في مرسية شرق الأندلس، وعاش ضريراً، وكان أبوه أديباً من النحاة، فتتلمذ عليه في بداياته، كما درس على الشيخ المقرئ أبي عمر أحمد بن محمد الطلمنكي، وصالح بن الحسن البغدادي، وأبي العلاء صاعد البغدادي، وكان في بلاط مجاهد العامري ملك دانية الذي كان يهتم بعلوم القرآن واللغة، ثم ابنه علي بن مجاهد الذي خلفَه بعد موته وحذا حذوه في بداية حكمه.

قال الطلمنكي: «دخلت مرسية، فتشبث بي أهلها ليسمعوا علي (غريب المصنف)، فقلت: انظروا من يقرأ لكم، وأمسك أنا كتابي، فأتوني بإنسان أعمى يعرف بابن سيده، فقرأ علي كله، فعجبت من حفظه»، وقال عنه الذهبي: إنه «إمام اللغة... وأحد من يضرب بذكائهم المثل»، وقال عنه الحميدي: «هو إمام في اللغة والعربية، حافظ لهما، على أنه كان ضريراً، وقد جمع في ذلك جموعاً، وله مع ذلك حظ في الشعر وتصرف»، وقال عنه الحافظ بن حجر: «كان من أعلم أهل عصره باللغة، حافظاً لها»، ومدحه السيوطي فقالك: «كان حافظاً، لم يكن في زمانه أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار، وأيام العرب، وما يتعلق بها، متوفراً على علوم الحكمة». وأثنى عليه صاحب المغرب قائلاً: «لا يُعلم بالأندلس أشد اعتناء من هذا الرجل باللغة، ولا أعظم تواليف، تفخر مرسية به أعظم فخر، طرّزت به برد الدهر، وهو عندي فوق أن يوصف بحافظ أو عالم».

ومن أهم مؤلفاته: «المحكم والمحيط الأعظم»، و«المخصص»، و«شرح مشكل أبيات المتنبي»، و«الأنيق في شرح الحماسة»، و«العويص في شرح إصلاح المنطق»، و«شواذ اللغة»، و«العالم في اللغة»، و«الوافي في علم القوافي».

مراجع

في تأليفه لمعجم «المحكم والمحيط الأعظم» سلك ابن سيده طريقة الخليل الفراهيدي في كتاب «العين»، التي تعتمد على ترتيب الحروف من أبعد مخارجها في الحلق إلى أقربها، كالتالي: ع ح ه خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط ت د ظ ذ ث ر ل ن ف ب م ء ى و ا، وجعل كل حرف كتاباً، وكل كتاب يضم جميع المواد اللغوية التي يكون ذلك الحرف من حروفها، أينما كان موضعه من المفردة، ثم يضم كتاب الحرف التالي كذلك جميع المواد اللغوية التي تشتمل على ذلك الحرف، بشرط ألا تكون قد وردت في كتب الحروف الذي قبله، وقسم كل كتاب إلى الأبواب التالية: الثنائي المضاعف الصحيح (وأراد بالثنائي المضاعف ما صار يُسمى الثلاثي المضاعف، مثل شدّ)، ثم الثلاثي الصحيح، ثم الثنائي المضاعف المعتلّ، ثم الثلاثي المعتل، ثم الثلاثي اللفيف، ثم الرباعي، ثم الخماسيّ، ويزيد أحياناً بباب يُسميه السداسي، أو الملحق بالسداسي، حيث يضع فيه ألفاظاً أعجمية، وأسماء أصوات، ثم رتّب المواد داخل كل باب وفقاً لما تتألف منه من حروف، ووفقاً لما تتصرّف إليه.

ويورد ابن سيده أنه اعتمد في معجمه هذا على عدة معاجم، أهمها: «العين» للفراهيدي، و«البارع في اللغة» للقالي، و«تهذيب اللغة» للأزهري، و«المحيط في اللغة» لابن عبّاد، إضافة إلى «مختصر العين» للزبيدي، الذي وفق في التوسع في تطبيق منهجه في معجمه هذا، وكان في جمع المادة المعجمية يقف على أخطاء وزلات من سبقه من اللغويين والنحاة فينبه عليها.

وقد عكف على تحقيقه معهد مخطوطات جامعة الدول العربية، قبل أن يكمل تحقيقه كاملاً عبد الحميد هنداوي، ويطبع وينشر عن دار الكتب العلمية ببيروت.

أما «المخصص» فهو واحد من كنوز كتب اللغة العربية، جمع فيه ابن سيده مواد معجمه «المحكم والمحيط الأعظم»، ولكنه رتبه وفقا للمعاني، فبدأ بباب خلق الإنسان، وأتى فيه بكل ما يتعلق بالإنسان من مفردات اللغة في بدوه، وحضارته، وأتبعه بنعوت النساء، واللباس بشتى أنواعه، وأدواته، والطعام، الذي يذكر فيه الكثير من أطعمة العرب، وما يعالج من الطعام ويخلط، والأمراض، حسب أعضاء الجسم، والنوم وأسماء الديار، وما يتعلق بالبناء والهندسة، والسلاح والقتال، وما يتعلق بهما، وأنواع الحيوانات والأنواء، والسماء وما فيها، والأيام والليالي، والرياح، والماء وأدواته، والأرض والجبال والوديان، والنبات، والمعاملات، ليختم الكتاب ببحث في اشتقاق أسماء الله الحسنى.

لم توجد منه في مكتبات العالم إلا مخطوطة واحدة، هي النسخة المغربية العتيقة، التي كانت بالكتبخانة الأميرية في مصر، وهي التي حققها الشيخ محمد محمود الشنقيطي، وطبعتها المطبعة الأميرية بمصر 1901م في خمسة مجلدات، ويقول الشنقيطي في تقريظه للكتاب: «أحسن ديوان من دواوين اللغة العربية، وأحق كتاب بأن يرحل في طلبه من أراد السبق في الفضل... إذ جمع فيه ما تكلمت به العرب في كل جليل ودقيق... حتى إذا فرغ من ذلك أفاض في أبواب العربية، من نحو وصرف وغيرهما...).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/h3cun8bx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"