عادي
مدن تكتب التاريخ

مَرو.. حاضنة الأصالة والأدب

16:10 مساء
قراءة 3 دقائق
من آثار مدينة مرو
الشارقة: عثمان حسن
حين تذكر مدينة مرو التي تتبع اليوم لتركمانستان، فإننا نستذكر مدينة دخلت في الإسلام في عهد الخليفة الراشدي عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وبقيت عاصمة لإقليم خراسان في عهد الخلافة الأموية، واكتسبت أهميتها الكبرى عندما أعلن أبو مسلم الخراساني بدء العهد العباسي فيها، فأعاد تأسيسها واستخدمها قاعدة عسكرية ضد الأمويين.
تعتبر مرو إحدى أعرق مدن إقليم خراسان، ويطلق عليها «مرو الشاهجان» (أي مرو المرج)، تمييزاً لها عن «مرو الروذ»، وتتميز بكونها واحة من أجمل واحات تركمانستان اليوم، حيث يعود تاريخها إلى 2800 قبل الميلاد، وكانت في السابق تابعة لخراسان الكبرى؛ ذات الحدود الجغرافية الواسعة، التي تشمل إقليم خراسان الإسلامي شمال غرب أفغانستان، وأجزاء من جنوب تركمانستان ومقاطعة خراسان الحالية في إيران، والتي كانت تضم مدناً كبيرة وشهيرة، مثل: حيرات، وبلخ، ومرو، ونيسابور، وغيرها.
قال عنها ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان): «في مرو جامعان للحنفية والشافعية يجمعهما السور»، ويصفها بقوله: «المَرو هي الحجارة البيض تقتدح بها النار، ولا يكون أسود ولا أحمر، ولا تقتدح بالحجر الأحمر ولا يسمى مرواً»، وهي بحسب المؤرخين: من أهم المراكز الحضارية والثقافية في التاريخ الإسلامي، حيث عاش فيها علماء في الفقه واللغة والمنطق، مثل الفقهاء الثلاثة (البخاري والترمذي والنسائي) الذين ولدوا في أوزبكستان التي تجاور تركمانستان، وإسحق بن راهويه (778 - 853 ميلادية)، كما قيل إن الإمام أحمد بن حنبل ولد في منطقة مرو سنة 164 هجرية، وقيل إنه ولد في بغداد.
  • * أدب
وردت مرو كثيراً في الأدب العربي، وضُربت بأهلها وسكانها العديد من الأمثال، وذكرها الشاعر العربي مالك بن الريب في قصيدته الشهيرة التي يرثي بها نفسه ومطلعها:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
إذ يذكرها في البيت الذي يصف فيه شعوره بالموت، بعد أن ضعف جسمه، واقترب موعد وفاته، فيقول:
ولما تراءت عند مَرْوٍ مَنيتي
وحل بها جسمي وحانت وفاتيا
كما ورد ذكر المدينة في كتاب الأغاني لـ«أبو الفرج الأصفهاني»، وكان الخليفة المأمون من الشخصيات التي تربت ونشأت فيها.
  • * آثار تاريخية
كانت مرو من الواحات والمدن الأكثر سلامة، إذ شيدت على طريق الحرير في آسيا الوسطى، كما اشتهرت بمكتباتها، وقد دمرها المغول عام 1220م، ليُعيد ناصر الدين شاه القاجاري بناءها في منتصف القرن التاسع عشر، ورغم مرور مئات السنين عليها، فإنها لا تزال محافظة على آثارها التاريخية، إذ تحتضن العديد من القلاع والأبنية، ومنها على سبيل المثال: قلعة «أرك» التي تعد الأقدم في المنطقة والمبنية في القرن الخامس قبل الميلاد على مساحة 20 هكتاراً، وقلعة «الفتاة الكبيرة»، وقلعة «الفتاة الصغيرة»، وهي من الأماكن التي يفضل الزوار المرور بها، ويرجع الخبراء سبب صمود هذه المدينة حتى اليوم، رغم بنائها من طوب اللبن الخام في القرن السادس، إلى الإتقان المعماري والهندسي لبنائها.
  • * أهمية
يقال إن مرو كانت من أكبر مدن العالم المعمورة، من حيث المساحة في القرن الثاني عشر الميلادي، وإنه بين عامي 1145 و1153 ميلادية، اعتبرت أكبر مدينة في العالم من حيث عدد السكان، حيث فاق عدد سكانها 200000 نسمة، أما اليوم، فهي من المدن الحديثة، وقد سبق أن كانت إبان الحقبة السوفييتية، أحد المراكز الإدارية التابعة للجيش الروسي، فلحقها ما لحق الاتحاد السوفييتي من تطور، فكانت مركزاً للقطنيات، وبعد تفكك الاتحاد، صارت اليوم واحدة من أكبر المراكز الصناعية، في تركمانستان، وأكبر مركز للغاز الطبيعي، حيث إنه في عام 1968 ميلادية تم اكتشاف احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي على بعد 20 كيلومتراً غرب المدينة، وهي إضافة إلى القطن والغاز، مركز تجاري للقمح وجلود الحيوانات والصوف، وبسبب المكانة التاريخية التي تحظى بها؛ تحتضن اليوم متنزهاً باسم «المتنزه الوطني والتاريخي»، حيث يؤمه سنوياً عشرات آلاف الزوار من مختلف أنحاء العالم، ممن يهمهم الاطلاع على أصالة وتاريخ هذه المدينة الضاربة في القدم، والتي تغطي آثارها حقبة زمنية كبيرة من الحضارة البشرية.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/va3vautp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"