ستة أشهر والخطيئة تكبر

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

يبدو أن إسرائيل قد ارتكبت ما يكفي من الأخطاء في حربها العدوانية على غزة لتتلقى هزيمة استراتيجية لن تنهض منها في المدى المنظور، وذلك بعد أن أوغلت في المحظورات وتجاوزت القانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة، وما زالت مستمرة في سفك الدماء، ولا تسمع حتى لأقرب حلفائها بشأن إنهاء هذه المأساة المروعة التي تهز الضمير الإنساني في كل حين.

مجازر في كل مكان، تدمير للمستشفيات والمرافق الصحية، قصف للمساعدات الإنسانية والنازحين، تعمُّد قتل عمال الإغاثة والصحفيين، تجويع المدنيين في أحياء محاصرة بلا أي أسباب للحياة، وتطاول على المنظمات الدولية بما فيها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وكل مسؤول دولي يطلق صيحة فزع أمام هذا الوضع الإنساني غير المشهود في العصر الحديث.

وربما كان موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي طالب تل أبيب بوقف إطلاق النار فوراً، يعبر عن شعور سائد لدى الغالبية الساحقة من الأمريكيين، بأن هذه الحرب الإسرائيلية ألحقت بهم عاراً لا يمحى ولا يغتفر، ومن الصعب التغاضي عن الغضب العالمي المتنامي. كما كان الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي يزايد دائماً في دعم إسرائيل، أكثر صراحة ووضوحاً عندما حث تل أبيب على التوقف عن القتل والعودة إلى الهدوء لأنها تخسر حرب العلاقات مع العالم أجمع، فيما بدأت بريطانيا بدورها مراجعة حساباتها، ولوح برلمانها بتصنيف إسرائيل كدولة تنتهك القانون الدولي في تعبير واضح عن الغضب والاشمئزاز مما تقترفه من انتهاكات يصعب التغاضي عنها حتى من أشد الحلفاء والداعمين.

في موقف يعزز مشاعر الخيبة والإحباط، اعتبر منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة مارتن غريفث الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة «خيانة للإنسانية»، مشيراً إلى أن رد الفعل الجماعي على ما جرى لا يرقى بأي شكل من الأشكال إلى أدنى درجات المسؤولية. وتنضم هذه الصرخة إلى سلسلة طويلة من النداءات، على مدى ستة أشهر من الحرب، تجمع كلها على أن الإبادة، التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة، ستظل ذكرى سوداء في تاريخ النظام الدولي المتهاون مع المعتدي الإسرائيلي.

ومن إشارات هذا التهاون أن مجلس الأمن لم يحرك ساكناً إزاء تجاهل إسرائيل القرار 2728، فلم يتحدث أحد عن بديل للردع، ولا عن نظام عقوبات صارم يحمي القانون الإنساني وينتصر لسمعة الأمم المتحدة، وكأن هذه القوة الغاشمة تسبح في فلك خارج المنظومة الدولية ولا يطولها شيء. وهذا الموقف الخطير من شأنه أن يبعث برسائل سلبية للغاية تؤكد سقوط مصداقية المجتمع الدولي وتسمح بانتشار الفوضى وقانون الغاب بدل الالتزام بنواميس العلاقات الدولية.

حرب الإبادة في غزة تنهي اليوم شهرها السادس، والخطيئة تكبر. وبعد نصف عام لم يعد قطاع غزة صالحاً للعيش، وكل ما فيه من دمار واسع يصيب بالصدمة والذهول، ويسائل المجتمع الدولي عن أرواح عشرات آلاف الأبرياء، أغلبهم نساء وأطفال، قتلتهم آلة الحرب الإسرائيلية بلا رحمة، وكأنهم ليسوا من البشر ولا ينتمون إلى عالم يدعي التحضر والإنسانية، بينما حقيقته ليست كذلك، بشهادة المنصفين من أصحاب الضمائر الحية من الشهود على إبادة غزة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ewmm468

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"