سقط قناع الضحية

00:03 صباحا
قراءة 4 دقائق

خارج إطار التحليل السياسي المباشر للأحداث. اختارت البروفسورة نوريت بيليد إيلهانان، الأستاذة بالجامعة العبرية بالقدس، موضوعاً لمحاضرتها بالجامعة حول ما جرى يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، من خلال تناول درامي، اعتبرت أنه يمكن أن يستثير الحس الإنساني لدى من يسمعونها.

وقالت إن ما جرى في 7 أكتوبر يعيد إلى ذاكرتها ما سبق أن كتبه الفيلسوف الفرنسي، وكاتب المسرحيات الخالدة جان بول سارتر عن السلوك العنصري. وقوله «إن من احتُلت أرضه منذ سنوات طويلة، فإنه يعيش مختنقاً تحت الحذاء الحديدي للمحتل. وحين تواتيه الفرصة فجأة ليرفع عينيه ويصوب إليه نظراته المعبأة بكل ما فعلته به أيها المحتل، فعليك أن تسأل نفسك، ما الذي كنت تتوقع أن تراه من تعبير فى تلك النظرة»؟!

والبروفيسورة نوريت عرفت بأبحاثها عن واقع حياة الفلسطينيين تحت احتلال إسرائيل. وكانت قد وصفت جنود جيش إسرائيل في دراسة لها عام 2007، بأنهم قتلة الأطفال، وهادمي المنازل، وأنهم سجناء عقولهم. وقد منحها البرلمان الأوروبي جائزة حرية الفكر.

إن المدخل الدرامي الذي اختارته نوريت لمحاضرتها يلقى الضوء على قضية الاحتلال، المرفق بها العنصرية في التعامل مع من احتلت أرضهم. فالمجتمع ذاته الذي يحتل أرض غيره، ويمارس فيها شتى صنوف العنصرية، تشكلت رؤيته الثقافية، ومنظومة القيم التي غرست في عقليته حتى قبل قيام دولة إسرائيل، ثم تكثيف هذه الأفكار بتلقين الإسرائيليين معنى أنهم أصحاب حق فيما يملكه الآخرون، وأن التخلص منهم ولو بالإبادة هو أمر مباح ولا خطأ فيه. وزاد من تشبثهم بهذه الأفكار ما وجدوه طوال 75 عاماً من قيام الدولة من تعاطف، بل ودعم وتأييد من دول أخرى، مهما كان ما ترتكبه من خروقات للقانون الدولي، والمعايير الإنسانية وهو ما ضاعف من اقتناعهم بأن دولتهم مصانة من أي حساب ومهما ارتكبت من الجرائم. ولم تكن تلك العقيدة شيئاً يلحق بهم على الكبر في العمر، بل إنهم زرعوها في عقول الأطفال في المدارس.

اكتمل هذا التشخيص للسلوك الإسرائيلي العنصري تجاه الفلسطينيين، بدراسة علمية للبروفيسورة جيسيكا ستيرن أستاذة الدراسات الدولية الأمريكية، والتي تناولت فيها موضوع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، واختارت له عنوان «الصدمة السيكولوجية».

تقول إن تجريد الخصم (الفلسطينيين) من صفاتهم الإنسانية، يجعل من السهل على من يفعل ذلك أن تتغلب عليه نزعة ارتكاب الإبادة ضد الخصم، الذي يتملكه الشعور بالصدمة لما يحدث معه، وفي ظروف يواجه فيها بمحاولة قتل الأمل لديه في تأكيد ذاته. وهذا يؤدى بالضرورة إلى رد فعل عنيف من جانبه، وهو ما يتصرف الإسرائيليون تجاهه بتصوير أنفسهم على أنهم الضحية. وتكرار القول إنهم في حالة دفاع عن النفس، إلى حد تشويه الجانب الإنساني للطرف الآخر، وهو ما عكسه وصف يواف جالنت وزير الدفاع الإسرائيلى للفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية. وبالتالي كان رد فعل الطرف الآخر هو وصف الإسرائيليين بالنازيين.

وبدا للجميع في إسرائيل تصور بأن الوقت قد فات على إمكان القيام برد محدود على هذا الهجوم، فكانت حملتهم العسكرية واسعة النطاق التي طالت المدنيين، وهدم بيوتهم على رؤوسهم. وكان لا بد للعنف المبالغ فيه أن يغرس في عقول الضحايا، وخاصة الأطفال الذين بقوا على قيد الحياة، مشاعر لا يمكن أن تنتزع منهم عن الصور المريعة لعمليات الإبادة الجماعية لذويهم.

وقد لوحظ أن التشخيص الذي قامت به كل من البروفيسورة نوريت بيليد والبروفيسورة جيسيكا ستيرن، قد اقترب من محتواه، ما خرجت به الندوة التي نظمتها مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية واسعة الانتشار، في واشنطن في مارس/ آذار الماضي. والتي شارك فيها خبراء متخصصون في شؤون الشرق الأوسط هم: مايكل بارنيت وناتان براون، ومارك لينش وشبلى تلحمي. والتي دار فيها نقاش حول ما جرى في غزه بوصفه أخطر مواجهة عنف واسعة النطاق، وبخسائر تتزايد كل يوم وفق عمليات إسرائيلية يسعى منفذوها لإبقاء الفلسطينيين محاصرين، أملا في إغلاق كل المنافذ في وجوههم، وهم تحت ضربات من القمع المتواصل.

وفي ختام المناقشات اتفق المشاركون فيها على القول إنه إذا كانت عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول مرعبة، إلا أنها كانت متوقعة، كرد فعل لسياسات طال أمدها لسنوات، تحت سطوة احتلال استمر بالعنصرية، والإساءة المتعددة للبشر.

الآن– ورغم كل ما ألحقته إسرائيل بغزة من خسائر، ومن معاناة إنسانية تجاوزت في بشاعتها ما لم يشهده أي نزاع آخر في العالم على هذه الصورة، فإن إسرائيل ستجد نفسها بعد حرب غزة، وقد نفد رصيدها من الدعم والتأييد التلقائي من حكومات وشعوب دول الغرب، ووقت أن صورت لهم نفسها بأنها الضحية في نظر الرأي العام في الغرب فقد انقلبت غالبيته إذ تأكد للجميع أنها كانت صورة زائفة لكيان مخالف في جميع ممارساته لأبسط القواعد الإنسانية، وسلوك البشر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4hhfva66

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"