عادي
عاد بعد 14 عاماً احتفالاً بعيد ميلاد عادل إمام

«زهايمر» ذاكرة ثرية بالقيم والكوميديا

23:28 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

لم يسبق أن شاهدنا في السينما العربية من المنتجين من يقرر عرض فيلم لنجم كبير احتفالاً بيوم مولده، كما فعلت المنتجة والفنانة إسعاد يونس، حيث قررت إخراج فيلم «زهايمر» إلى النور مجدداً وبعد 14 عاماً من عرضه الأول في الصالات، لتقدمه إلى الجمهور في الصالات ليس في مصر فقط، بل في الإمارات والسعودية والبحرين أيضاً، ولمدة ثلاثة أيام بدأت في السابع عشر من الشهر الجاري، أي في يوم ميلاد الزعيم عادل إمام.

مبادرة جديدة لها معانٍ كثيرة، وإعادة مشاهدة الفيلم لبعضهم ومشاهدته للمرة الأولى بالنسبة لبعضهم الآخر تستحقان أن نتوقف عندهما؛ لأن الفيلم الذي لم يعتبره بعضهم من أهم ما قدمه نجم الكوميديا طوال مسيرته الفنية العامرة بنجاحات لا تحصى، هو فيلم ثري جداً بالقيم الاجتماعية والإنسانية والعائلية، وبه كوميديا راقية، وثري أيضاً من النواحي الفنية ويستحق المشاهدة مرات وليس مرة واحدة.

كثيرة المحطات التلفزيونية والمنصات التي درجت في السنوات الأخيرة أن تحتفل بعيد ميلاد نجمنا الكبير عادل إمام، فتخصص أياماً أو أسبوعاً أو شهراً لعرض مجموعة من أعماله، لكن السينما لم تُعد مرة أي شريط إلى الوراء لتعرض فيلماً مرت عليه سنوات، لذلك تعتبر مبادرة الشركة «العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي» وصاحبتها الفنانة القديرة إسعاد يونس جديدة وقد تفتح الباب لمبادرات أخرى تعيد إلى الصالات أفلاماً مميزة مر عليها وقت، فيتسنى للجمهور، خاصة من الشباب والأجيال الجديدة، الاستمتاع بمشاهدتها في الصالات والكل يعلم أهمية ومتعة المشاهدة السينمائية في ظل وجود تقنيات عالية الجودة. ومهم أيضاً أن نتوقف عند هذه الأعمال لنستعرض مضمونها وصناعتها وأداء النجوم فيها، ويعتبر «زهايمر» من الأعمال المميزة مضموناً حيث يقدم رسالة اجتماعية مهمة جداً.

صدمة محمود بوجوه لا يعرفها

ولادة الفيلم كانت عام 2010، وقد شاهدنا بعده بعشرة أعوام فيلماً عالمياً مشابهاً من حيث التطرق إلى مرض الزهايمر وعيش المريض بين اليقين والنسيان وشكه الدائم بأنه يتعرض لابتزاز وسرقة من أولاده طمعاً بالميراث، مع اختلافات في مسار القصة وفي تلوينها عربياً بنفحة كوميدية جميلة، بينما النسخة البريطانية «الأب» إخراج فلوريان زيلر وتأليفه مع كريستوفر هامبتن، بطولة المبدع أنطوني هوبكنز جاءت شديدة التعمق في الجوانب الإنسانية الحزينة. عادل إمام لا يقل شأناً في عبقرية الأداء والتمثيل عن هوبكنز الذي نال جائزة أوسكار عن دوره في هذا الفيلم، ومن يتابع «زهايمر» يدرك أن الزعيم ينتقل فيه إلى الدراما الإنسانية أكثر من تمسكه بتجسيد الكوميديا في هذا الفيلم، فهو متربع على عرش الكوميديا ولم يعد يحتاج إلى أي إضافات فيها، لذلك جاء اختياره لزهايمر ذكياً وفي الوقت المناسب، حيث يقدم دور الأب والجد، ويعيش مأساة إنسانية يستطيع من خلالها أن يلمس قلبك ويدفعك للبكاء والتعاطف معه، بل يجسد حقيقة ما يمر به مريض الزهايمر، لكن الفيلم بحد ذاته يلطف الأجواء الدراماتيكية بلمسات كوميدية يجسدها الزعيم بهدوء مبتعداً هذه المرة عن أداء الملامح والحركات التي اعتاد تقديمها في أغلبية أعماله، عبقري في جعلك تضحك وهو في قمة الجدية.

أسماء صناع الفيلم وأبطاله والمشاركين فيه كفيلة بمنحك أول انطباع عن قيمة ما ستشاهده، يتقدمها طبعاً الكبير عادل إمام، الموسيقى التصويرية عمر خيرت، إخراج عمرو عرفة وتأليف نادر صلاح الدين («الدادة دودي»، «حلم عزيز»، «حماتي بتحبني»..). وبجانب عادل إمام، يظهر ضيوف الشرف الراحل سعيد صالح وكانت آخر إطلالة سينمائية له، أحمد راتب ولطفي لبيب وإسعاد يونس.. والنجوم الأصغر نيللي كريم وفتحي عبد الوهاب وأحمد رزق ورانيا يوسف..

هي قصة رجل الأعمال الثري محمود شعيب (عادل إمام) الذي نراه في أول مشهد نائماً في سريره وتوقظه الممرضة منى (نيللي كريم) فيفاجأ بها ويطردها فتخبره بأنه مريض زهايمر وتحاول إقناعه بنسيانه لها ولما يحصل حوله ولترتيب الأيام والرزنامة نتيجة رفضه تناول الدواء، يخرج من غرفته ليجد الخادمة إجلال (إيمان السيد) والتي لم يرها من قبل أيضاً، ثم تتصل به فتاة ليل اسمها سوسو لتخبره بأنه قضى معها ليلة، كذلك تفعل فتاة ليل أخرى اسمها ميمي، ويدخل عليه عيد الجنايني (محمد الصاوي) وكأنه يعرفه من زمن، بينما هو لا يتذكر سوى حامد (ضياء الميرغني).

استسلام

يستنجد محمود بولديه سامح (فتحي عبد الوهاب) وكريم (أحمد رزق) فيحضران برفقة الدكتور شاكر (هناء عبد الفتاح) ليؤكدوا له أنه مصاب بالمرض فعلاً وأن عدم الانتظام بتناول الأدوية يؤدي إلى نتائج سلبية، يقصد صديقه شافعي فيؤكد له أيضاً المعلومة. هنا يستسلم ويهمل نفسه وشكله ويدخل في مرحلة اللامبالاة، إلى أن يحصل ما لم يتوقعه أحد، وبشدة ذكائه يكتشف الحقيقة ويخطط للمرحلة التالية. طبعاً تتخلل هذه الأحداث مواقف كوميدية ظريفة مثل محاولاته المتكررة للهرب من الفيلا وكيف يعيده الحارس إلى غرفته، وينتقل الفيلم إلى مرحلة تطغى فيها الكوميديا على الدراما مع قرار محمود تعليم ولديه وزوجة ابنه نجلاء (رانيا يوسف) درساً وإعادة تربيتهما من جديد. يختفي محمود أسبوعين ثم يظهر من جديد قبل يوم من موعد جلسة للبت في قضية رفعها ولداه يطالبان فيها الحَجر على أبيهما، فمنحهما أثر من دليل على صحة ادعائهما بأنه ينسى وأن الزهايمر متمكن منه لكنه في المقابل يفاجئهما بسحب كل أمواله من البنك ما يعني عجزهما عن تسديد القرض الذي يهددهما به البنك والذي بسببه قد يدخلان السجن.

جمال في التصوير واختيار الأماكن والمناظر الطبيعية، واختيار المخرج عمرو عرفة للزوايا مهم جداً، مثل تصويره الأب محمود وهو يطل من فوق في الفيلا ناظراً إلى تحت حيث ولداه ضعيفان مهزومان.. الديكور جميل خصوصاً حين يفاجئ محمود حفيدته الوحيدة ملك بملء غرفتها في بيته بالبالونات والألعاب، ومشهد الختام بالخضرة والجد يحمل حفيدته فوق كتفيه غني بالمعاني والرمزية، حيث الأمل والمستقبل والأصالة وامتداد الحياة ومعنى وقيمة الموروث الحقيقي في التربية والأخلاق والرعاية لا بالمال، خطط محمود للانتقام من ولديه تمنحك مساحة جيدة للاستمتاع بالمقالب والضحك من القلب، موسيقى عمر خيرت إضافة مهمة للعمل وقادرة أن تنقل إلينا المشاعر عبر أثير النغمات.

لمسة وفاء

تحية تقدير لوفاء الفنانة إسعاد يونس، واختيارها فيلم «زهايمر» موفق ليس لأنه من إنتاجها فقط، بل لأنه فيلم لم يمر عليه الزمن ويصلح لكل وقت وزمن، ويقدم عادل إمام بعمق خبرته وموهبته وأفكاره وبراعته في اختيار المضمون والقصة وبتاريخه الغني بالنجاحات وقدرته بالملامح ولغة الجسد على قول ما تعجز عنه الكلمات.

تبدل الملامح

ملامح وجه عادل إمام في كل مرحلة من مراحل معركته مع ذاكرته ومع المحيطين به وإصراره على إنكار مرضه وسعيه للبحث عن دلائل تؤكد صحة ما يقول وأنه يتعرض لعملية نصب، يجب أن تُدرَّس، معبرة وناطقة بحوار كامل بلا حاجة لأي كلمة ولأي وصف؛ حقيقي بكل رد فعل وبكل موقف، يلمس المشاعر، تتعاطف معه، يبكيك أكثر من مرة، خصوصاً حين ينظر إلى صورة تجمعه بأقرب وأعز صديقين له عمر (سعيد صالح) وشافعي (أحمد راتب)، الصورة حقيقية تجمع هؤلاء النجوم في مناسبة ما، استخدمها المخرج لتمنحنا المزيد من الإحساس بصدق ما نشاهده؛ ولعل أكثر المشاهد روعة وتأثيراً، هي مشهد بكى فيه عادل إمام وهو ينظر لما آلت إليه أحوال صديقه عمر الذي يعاني الزهايمر من خلف سور دار لكبار السن، بكاء من القلب لا يمكنك إلا أن تشعر بعمق الألم الذي شعر به محمود شعيب، أوعادل إمام.

|[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n73yt8h

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"