«الآخرون» في مواجهة «الشعبويين»

الردّ على الأحزاب في أوروبا
23:03 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 5 دقائق
1

عن المؤلف

الصورة
1
أنجيلا بورن
أنجيلا ك. بورن هي أستاذة في جامعة روسكيلد (الدنمارك). حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة بريستول وعملت سابقاً محاضرة في جامعة أبيريستويث وجامعة دندي. لها عدد من الكتب عن الشعبوية والديمقراطية.
  • يجب اتّباع نهج متوازن في التعامل مع اهتمامات الناخبين الشعبويين

تعمل الأحزاب الشعبوية اليوم في أوروبا المعولمة والمترابطة ضمن نظام معقد من الحكم الإقليمي، ما يطرح تحديات جديدة حول ما إذا كانت هذه الأحزاب تعزز الديمقراطية، أو تهدّدها. يستعرض الكتاب كيفية التعامل مع تصاعد نفوذها والتحديات التي تواجه المعارضين لها ضمن المشهد السياسي الأوروبي.
يُقدم هذا الكتاب مجموعة من الأدوات النظرية الجديدة التي تستكشف كيف يمكن معارضة الأحزاب الشعبوية، وأي نوع من مبادرات المعارضة يُمكن أن تنجح، ولماذا، وما الغايات التي يمكن تحقيقها. يُظهر الكتاب أن المقارنات بين صعود الفاشية في الفترة ما بين الحربين العالميتين، والشيوعية في شرق أوروبا بعد الحرب، لا تتناسب بسهولة مع الواقع الأوروبي المعاصر. تنشط الأحزاب الشعبوية اليوم في سياقات أكثر تعقيداً، وتواجه أسئلة معقدة حول ما إذا كانت تعمق الديمقراطية، أو تهددها.
يبدأ الكتاب بتقديم تصنيف جديد للمبادرات، المتسامحة وغير المتسامحة، التي تعارض الأحزاب الشعبوية، شاملاً الهيئات العامة والأحزاب السياسية على المستويين، الوطني والدولي، إضافة إلى مبادرات أقل شهرة من المجتمع المدني. تعتمد المؤلفة في الكتاب على نهج «من القاعدة إلى القمة» لتقييم فعالية المعارضة، مع الإشارة إلى التباين الكبير في أشكال المعارضة بين الدول والأحزاب. ويطرح الكتاب نظرية تحقيق الأهداف للمعارضة الفعالة، مركزاً على قدرة المعارضين على كبح السياسات غير الليبرالية والمعادية للديمقراطية، وتقليص الدعم للأحزاب الشعبوية، أو مواردها، أو حثها على الاعتدال من دون إحداث تأثيرات ضارة.
استكشاف الظاهرة الشعبوية
يُعد هذا العمل بمثابة استكشاف في الوقت المناسب للظاهرة الشعبوية التي أعادت تشكيل المشهد السياسي في أوروبا. يغوص الكتاب في الديناميكيات المعقدة بين الحركات الشعبوية والكيانات السياسية القائمة التي غالباً ما تتحداها، ويقدم تحليلاً مفصلاً لكيفية استجابة الأحزاب والمؤسسات التقليدية بفعالية لصعود الشعبوية، من دون المساس بالقيم الديمقراطية.
يُناقش الكتاب بعمق الانقسام بين «الشعبويين» و«الأشخاص الآخرين»، حيث تستخدم المؤلفة هذين المصطلحين للتمييز بين الأشخاص الذين يتبنون الأيديولوجيات الشعبوية، وأولئك الذين يقفون خارج هذا الإطار، والذين غالباً ما يُمثلون بالهياكل السياسية التقليدية. ترى المؤلفة أن فهم هذا الانقسام بالغ الأهمية لصياغة استجابات فعالة وشاملة تمنع عزل أي شريحة من المجتمع.
يتمحور الكتاب حول مناقشة «من يعارض الأحزاب الشعبوية؟ وكيف يعارض الأحزاب الشعبوية؟»، ومن ثم يطور نظرية جديدة لتقييم ما ينجح، وإلى ماذا ينتهي.
تقول المؤلفة: «تشمل الأحزاب الشعبوية المعارضة الهيئات العامة والأحزاب السياسية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني التي تقوم بمبادرات داخل الدولة، وعلى المستوى العابر للحدود الوطنية، وعلى المستوى الدولي. تشتمل طريقة المعارضة الشعبوية على إجراءات قمعية وإنكارية للحقوق و«استثنائية»، وفي كثير من الأحيان، تستخدم المعارضة أنواع الاستراتيجيات «العادية» المستخدمة ضد جميع أنواع الأحزاب في الديمقراطيات الليبرالية. وفي ما يتعلق بالمسألة الصعبة المتمثلة في ما الذي ينجح وما هي الغايات، أرى أن الاستجابات للأحزاب الشعبوية تكون فعالة إذا حققت واحداً على الأقل من أربعة أهداف: تقليل الدعم لحزب شعبوي، أو تقليص موارده، أو تحفيز الاعتدال الأيديولوجي، أو كبح جماح نفوذه، والقدرة على تنفيذ سياسات غير ليبرالية أو معادية للديمقراطية. وينبغي تحقيق هذه الأهداف من دون إنتاج تأثيرات غير مرغوب فيها، أو ضارة تتمثل في زيادة الدعم للأحزاب الشعبوية، أو تعزيز مواردها، أو الحث على التطرف. ويتم تحقيق الأهداف عادة باستخدام واحدة أو أكثر من أربع آليات: التلاعب بالحوافز الاستراتيجية للناخبين والأحزاب في سياق المنافسة الديمقراطية؛ إنفاذ القانون الوطني والدولي؛ استغلال الاعتماد المتبادل لتعزيز التغيير، والإقناع».
كيفية الاستجابة لصعود الشعبويين
يركز الكتاب على الأحزاب السياسية الشعبوية «لأنها، على الرغم من القيود، تظل عوامل تغيير مهمة في الديمقراطيات الليبرالية. وتتمتع الأحزاب المشاركة في الحكومة بالسيطرة على العديد من الأدوات اللازمة لتنفيذ سياساتها، حتى إن كانت نادراً ما تتمتع بالحرية في القيام بما تريده بالضبط. ويشمل ذلك احتمال قيام الأحزاب الشعبوية في الحكومة بتقويض المؤسسات الديمقراطية الليبرالية، على الرغم من أن هذا ليس حتمياً، إضافة إلى ذلك، تتمتع الأحزاب الشعبوية الناجحة بشرعية ديمقراطية إضافية تتمثل في الحصول على السلطة من خلال دعم كبير من الناخبين».
يتناول الكتاب الأحزاب الشعبوية في أوروبا لأنه يوفر إطاراً لمراقبة مجموعة واسعة من أشكال المعارضة المتخذة في ما يتعلق بمجموعة واسعة من أنواع الأحزاب الشعبوية. وتعلق المؤلفة بالقول: «أوروبا هي منطقة من العالم، وإن لم تكن المنطقة الوحيدة التي حققت فيها الأحزاب الشعبوية نجاحاً خاصاً في العقد الماضي، أو نحو ذلك. وبينما تهيمن الأحزاب اليمينية، ثمة أمثلة بارزة على اليساريين، والوسطيين، والأقليات القومية، والشعبويين. تتمتع الأحزاب الشعبوية في أوروبا بأنواع مختلفة من أشكال الحكم. استخدمت تلك الأحزاب الشعبوية المعارضة مجموعة واسعة من استراتيجيات المعارضة. وأكثر من أي منطقة أخرى في العالم، تعمل الأحزاب الشعبوية في أوروبا ضمن نظام متعدد المستويات من الحكم الذي يقيد، ويمكّن تصرفات الحكومات الأعضاء والمواطنين. وبالتالي فهو يوفر بيئة مناسبة تماماً لمراقبة المعارضة وتنظيرها من جانب الجهات الفاعلة الدولية وعبر الحدود الوطنية».
يقدّم الكتاب أيضاً تقييماً نقدياً لفعالية استراتيجيات الاستجابة المختلفة. ويناقش مخاطر تبني تكتيكات عدوانية مفرطة قد تؤدي عن غير قصد إلى إضفاء الشرعية على المظالم الشعبوية، أو على العكس من ذلك، مخاطر تبنّي تكتيكات تصالحية أكثر من اللازم، وهو ما يمكن اعتباره بمثابة إقرار بالادعاءات الشعبوية. ويدعو الكتاب إلى اتباع نهج متوازن يتضمن التعامل المباشر مع اهتمامات الناخبين الشعبويين، مع الحفاظ بثبات على المعايير والقيم الديمقراطية.
علاوة على ذلك، يتعمق الكتاب في دور وسائل الإعلام والاتصالات في تشكيل التصور العام للشعبوية. ويشير إلى أن تصوير وسائل الإعلام للحركات الشعبوية يمكن أن يؤدي إما إلى تفاقم التوترات، أو المساعدة في جسر الانقسامات، اعتماداً على الروايات التي يختارون التأكيد عليها. ويدعو الكتاب في هذا الصدد إلى اتباع نهج إعلامي أكثر مسؤولية يتجنب الإثارة ويركز على التقارير المستنيرة والدقيقة.
في الختام، يمكن القول إن هذا الكتاب الصادر عن مطبعة جامعة أكسفورد، بفصوله الستة، من الكتب المهمة لصانعي السياسات والمحللين السياسيين، وأي شخص يرغب في فهم المشهد السياسي المعاصر في أوروبا، لما يقدمه من رؤى وتوصيات عملية للتعامل مع أحد التحديات الأكثر إلحاحاً في عصرنا، وهو كيفية الاستجابة لصعود الأحزاب الشعبوية بطريقة تعزز الحكم الديمقراطي بدلاً من تقويضه.

الصورة
1

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/4f3a28d5

كتب مشابهة

1
بول هانزبري
1
زاندر دنلاب
1
داون سي ميرفي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

خلال قمة أوروبية سابقة
مارك ساكليبن
1
تياجو فرنانديز
1
كجيل أوستبيرج
تغير المناخ يزيد من الهجرات في العالم
درو بيندرجراس وتروي فيتيس
1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك