احترموا العلوم والحقائق

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

في الأسبوع الماضي، حين تكلمت في مقالي عن الاستدامة وما تعانيه باختصار، أدركت كم الذين يشاركونني الهم، والتوجه والفكر، فمازالت تصلني الآراء، وهذا يثبت حقيقة أن العارف بالحقائق مرهق ومدرك لما في جوهر الأمر من مغالطات، وتجاوزات، واختلاط الحابل بالنابل، والتسويف، والنشر لمجرد الشهرة والحضور على مسرح كهل عجوز.

كنت في فيينا لأيام في مؤتمر وقود الطيران، وعالم كبير من منتجي الطاقة الحالية والمتطلعين إلى مستقبل التغيير في عالم وقود الطيران المستدام، ورغم أن القسم الأكبر هو «التجاري»، فإن التجارة اليوم ومتخصصيها أدركوا أن هناك تغييرات علمية كبيرة ستهاجم صفقاتهم التي تعقد اليوم، إن لم يكونوا على دراية كافية ووافية بتطلعات العالم والقرارات الدولية في التقليل من الانبعاثات وتأثيرها السلبي. لم يعد الأمر محصوراً على قطاع دون الآخر، فالمنظومة الدائرية المتصلة اليوم هي قلب التغيير ومن سيضمن الولوج إلى عالم التحول النظيف بسلاسة، وحكمة وروية لا تقتل طموحات الوقت الحاضر، وتنسى ما يحتاج إليه البشر اليوم.

الحضور العلمي كان سيد الموقف، والشفافية والوضوح، فلم تعد الشعارات الرنانة والأرقام الموضوعة أهدافاً تفي بالغرض، ولم يعد التبجح بما يسمى «أخبار صحف» يفيد، فنحن اليوم نعيش مجتمعاً واعياً يعي تبعات كل رقم، لقد سألني الكثير عن نسب معيّنة أعلناها وكيف هو تركيزنا على تحقيقها، علمياً، واقتصادياً والأهم «جدياً».

لم تعد القرارات في عالم المناخ تجدي، من دون دراسات علمية تفصيلية تريك أين تضع أرجلك اليوم، وأين ستمضي، فيا أيها المطبّلون مرة أخرى بالأرقام وغسل العقول، افهموا الحقائق، تعلموا أن تقرؤوا وأن تستثمروا في العلم بجميع تخصصاته، اجلسوا مع المتخصّصين، قدموا التجربة على الكلام الخاوي، وأسندوا ما تقولون على أرقام وقراءات مستقبلية طموحة ومبشرة، قادرين على الوصول إليها. يجب أن لا يخجل أحد من أن يفتح حواراً واعياً، ويقول «صعب» نحتاج إلى وقت أكثر، أو أن يصرح بأن ما يقال لا يمكن أن يتواءم معنا، وأن الصورة التي تطرح في الغرب لا تشبه ما يجب أن يكون في الشرق.

إن العلوم وجدت لتسهل علينا الكثير، ولأنها موجودة أصبحنا اليوم في كوكب مختلف ومتحول نوعاً ما، لم تعد المناقشات تفيد، إن لم يكن من خلفها مدرك لتفاصيل ما سيأتي بعد. ولم يعد اليوم أخذ القرار حكراً على السياسيين، بل وجب أن تكون خلف كل سياسي تفاصيل علمية وحقائق تدعم ما سيتوجه إليه، فما وضع سابقاً علّمنا كيف نواكب الدول المتقدمة، ليس بالحضور، بل بالعمل العلمي الجاد، وكم أصبحنا اليوم أصحاب قرار وتغيير، بعد أن كنا متلقّين دون وعي. فافهموا العلوم والحقائق، فهي الحقيقة الراسخة التي لن يجادلك أحد فيها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/edy34bxb

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"