عادي
في شاعرية البصر

مرونة الثلث تمجّد فضل الخالق

17:01 مساء
قراءة 3 دقائق
حامد الآمدي - اللوحة

الشارقة: جاكاتي الشيخ
شيخ الخطاطين الأتراك موسى عزمي والمشهور باسم «الخطاط حامد الآمدي» هو أحد جهابذة المبدعين في فن الخط العربي، فقد نشأ في كنف الدولة العثمانية، وكان له أثر كبير في تطور حركة هذا الفن، ألهم من خلاله العديد من الخطاطين الذين جاؤوا بعده، وترك الكثير من الأعمال الإبداعية التي لا تزال الأجيال تستمتع بجمالها، ومن بينها هذه اللوحة التي نتناول هنا.

تعتبر أعمال حامد الآمدي من أروع الأعمال الخطية العربية، حيث يتميز برصانة الأسلوب في الخط وإتقان تفاصيله الإبداعية، والسيطرة على ضوابطه الموروثة، والرغبة في إحياء ما أبدعه السلف من الخطاطين القدامى، والاستلهام منه في بعض الأحيان، للخروج بلوحات فنية تعكس فخامة وعظمة هذا الفن الجميل، حتى عدّه بعض النقاد امتداداً لعظماء الخط العربي الثلاثة: ابن مقلة وياقوت المستعصمي وابن البواب، الذين كان لهم أهم أثر في تاريخ الكتابة بالخط العربي الأصيل.

*قدرات فنية

اختار حامد لهذه اللوحة مضمون «هذا من فضل ربي» وكتبها بخط الثلث، وهو من الخطوط الأكثر متعة بصرية، ويعتبر الإبداع فيه تحدياً للخطاطين، إلا أن المبدعين من أمثال حامد يجدون في تنفيذ أعمالهم به تأكيداً لقدراتهم الفنية، وإبرازاً للمخزون الجمالي الذي يتمتع به الخط العربي، لأن خصائص هذا الأسلوب الخطي البديعة مثل مرونة حروفه وحسن تراكيبه وبراعة التأليف فيه، يمكن أن تكون عاملاً مهما في جعل لوحاته أيقونات فنية عظيمة.

جاء حامد بنص هذه اللوحة من قول الله تعالى في سورة النمل من قصة سليمان: «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ»، حيث يَنسب سليمان عليه السلام كل هذه النعم إلى المنعم بها عليه وهو الله جل جلاله، وهو من أجلى آيات الشكر والحمد، وقد سَرَت صيغة شكره هذه بين كل الذين يعترفون بنعم الله تعالى وفضله عليهم، وهو ما أراد الخطاط حامد تجسيده في هذا العمل، ففضل الله وعطاؤه لا ينكره إلا جاحد بنعمه، وذكر ذلك الفضل ووضعه نصب الأعين هو تذكير للمؤمنين به، فالذكرى تنفع المؤمنين.

*أناقة

اختار حامد الآمدي خط كلمة «هذا» كقاعدة حاملة للنص، ومدّ ألفها عالياً تعبيراً عن مد المؤمن يده تضرعاً ورجاء وحمداً لله، ثم خط «من فضل» في وسط اللوحة، رابطاً «من» ب «فضل» من بداية رسم حرف «الضاد» في لمسة تركيبية بارعة، معطياً مقطع «من فضل» مساحة أكبر في اللوحة، تعبيراً عن عظم فضل الله على البشر، وتثميناً لهذا الفضل ولمكانته لدى عباد الله المؤمنين، فيما خط كلمة «ربي» في أعلى اللوحة إبرازاً لعظمة الرّب المتفضل جل جلاله، ولمكانته في قلوب المتقين الذين يبوءون بنعمته عليهم، دون أن ينسى ملء الفراغات بالحركات والشدات وبعض الزخارف، ليضفي على أسلوبه في الثلث طابعاً جليّاً رائقاً، ويتبين من اختياره لمواضع الكلمات تلك، أنه يدرك بشكل عميق المعنى الدلالي لهذا النص القرآني، والروحانية المبثوثة بين ثناياه الرابطة بين الله المتفضِّل والعبد المتفضَّل عليه.

كما أن اختيار حامد للون الأسود لخط نصه بشكل كامل، ووضعه على خلفية ذهبية أعطى اللوحة صفاءً ورونقاً جمالياً خالصاً، لتجعل كل تلك اللمسات الإبداعية منها واحدة من أكثر اللوحات الجدارية تداولاً في ديكورات الخط العربي، حيث تم تصميمها في أكثر من شكل فني، طباعة ونقشاً وتصويراً، وتم تقديمها في قوالب فاخرة وأنيقة، وذلك لما تتميز به من جمالية وبساطة غير مألوفة، إذ استطاع الخطاط الآمدي أن يبين فيها ما يتمتع به الحرف العربي من قدرة على صنع الجمال وبثه في نفوس المولعين به.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5edxtmab

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"