عادي
لوحات ألهمت السينمائيين والموسيقيين

عالم بيكشينسكي..الرسم قصيدة شعرية

23:59 مساء
قراءة 4 دقائق
جيزلاف بيكشينسكي

الشارقة: علاء الدين محمود

عمل الرسام البولندي جيزلاف بيكشينسكي «1929 –2005»، على شق طريق خاص به في التعبير عن رؤيته الفكرية وموقفه من العالم والوجود، فأصبح رساماً ومصوراً ونحاتاً متخصصا في ما بات يعرف ب«سريالية الواقع المرير»، أو «الديستوبية»، وقد استخدم بيكشينسكي الأسلوب ال «الباروكي»، وتُقسَّم أعماله إلى مرحلتين: احتوت الأولى بشكل عام على ألوان تعبيرية مع أسلوب قوي مِن ال «الطوباوية الواقعية»، والعمارة السريالية، أما المرحلة الثانية فاحتوت على أسلوب تجريدي، وللفنان العديد من اللوحات التي تعبر عن اتجاهه المختلف في الفنون.

ولِد بيكشينسكي في مدينة «سانوك»، في جنوب بولندا، ودرس الهندسة المعمارية في مدينة «كراكوف»، أكمل دراسته وعاد إلى سانوك في عام 1955 ليبدأ العمل كمُشرِف في مواقِع البناء، ولكن سرعان ما وجدَ نفسه غير مستمتع بالمهنة، فكان مهتماً خلال هذه الفترة بالتصوير السريالي والنحت والتصوير الزيتي. حين بدأ بالنحت، كان في العادة يستخدم المواد مِن مواقِع البناء لإكمال أعماله. كانت الصور التي صورها في بدايتِه بوادِر للوحاتِه الأخيرة، والتي احتوَت في العادة على تجاعيدَ ومناظِرَ طبيعية مهجورة ووجوهاً مرسومة على أسطح خشِنة. كثيراً ما صوَّرت لوحاته الاضطراب، وكان تركيز بيكشينسكي منصباً على الفن التجريدي على الرغم مِن أن لوحاته خلال الستينات كانت تميل للسريالية، لم يتلق بيكشينسكي أي تدريب رسمي كفنان، وصُنعت أكثر لوحاته باستخدام ألوان زيتية، كما جرَّب استخدام ألوان الأكليريك، كان يمقت الصمت، فاعتاد على الاستماع للموسيقى الكلاسيكية بينما يرسم، وعلى الرغم مِن تفضيله للموسيقى الكلاسيكية فكان يقدر موسيقى الروك، ودائماً ما ألهمت أعماله الفنية الفرق الموسيقية وصناع السينما في إنتاج موسيقى وأفلام مستوحاة من عوالمه الغريبة.

  • أحلام

على الرغم من أن بيكشينسكي، لم يعنون الكثير من أعماله الفنية، إلا أنه أطلق أسماءً غريبة على البعض منها، ومن أشهر إبداعاته لوحة باسم «AA78»، ويبدو أن العنوان يشير إلى سلسلة من اللوحات بثيمة واحدة، ويعد هذا العمل من أيقونات الفنان، وجد حظاً كبيراً من التناول من قبل النقاد والفنانين، وكذلك جدلاً واسعاً، نسبة للعوالم الغريبة والمدهشة في اللوحة التي رسمت عام 1978، بألوان الزيت على القماش، وهي تنتمي إلى الفضاءات الزمانية والمكانية والفكرية الغريبة لدى بيكشينسكي، فهي من ثمار الإنتاج الإبداعي للفنان خلال أواخر ستينيات القرن الماضي، تلك الحقبة التي أطلق عليها بيكشينسكي اسم «الفترة المذهلة»، والتي استمرت حتى منتصف الثمانينات، حيث صنع خلال هذه الفترة صوراً مربِكة للغاية، إذ كانت تُظهِر بيئة سريالية وسوداوية تحتوي على مشاهد ذات تفاصيل دقيقة للخراب وأشكال ممسوخة وصحارٍ، واحتوت كل تلك اللوحات على تفاصيل دقيقة للغاية مع لمستِه المتقنة، وقد قال بيكشينسكي خلال تلك الفترة: «أريد أن أرسم كما لو كنتُ أصوِّرُ حلماً».

وعلى الرغم من اتجاه بعض النقاد إلى أن الفنان كان يصور أحلاماً مزعجة، وأن لوحاته تعبر عن قلقه الداخلي، إلا أن بيكشينسكي لم يقدم تفسيراً لأعماله، وما إذا كانت تستبطن نوعاً من الإيجابية أو الدعابة، فقد كان عنيداً بهذا الشأن إلى درجة تصريحه بعدم معرفته بالمعاني خلف أعمالِه وبأنه لم يكن مهتماً بأي تفسيرات ترتبط بها، ورفض تسمية الكثير مِن أعمالِه الفنية، إلا أن بعض النقاد اجتهدوا في عملية التفسير ورصد العلامات في اللوحات، فقد ذكر المُخرج السنيمائي المكسيكي جييرمو ديل تورو: «يبدو أن بيكشينسكي يؤمِن بالفَن بكونِه نذيراً لهشاشة الجسد، فالهلاك محكومٌ على جميع الملذات التي ننعم بها، وبالتالي تمكنت لوحاته مِن استحضار التلاشي والنِضال المستمِر في الحياة في نفس الوقت. تحمِل لوحاته في طيّاتها منظومة شعرية ملطخة بالدم والصدأ».

  • وصف

في مشهد اللوحة يظهر مكان ما، بيت يبدو مهجوراً، بقعة كأنها تنتمي إلى عالم الأحلام، تحيط بالبناء نباتات متسلقة غريبة باللون الأحمر، وكأنها تعلن الحصار على المكان، وثمة نافذة يظهر فيها هلال ونجوم تلمع في سماء شديدة الزرقة، وكأنها نفاذة للأمل تتحدى أجواء الكآبة، وبوابة تطل على بحر أو نهر، بمياه بالألوان الزرقاء والخضراء، وتكمن براعة الفنان في استخدام وتوظيف الألوان بدرجاتها المختلفة والتي تحمل العديد من الدلالات، بحيث تعكس اللوحة عوالم متناقضة من الغموض عبر الألوان الداكنة والظلال، والوضوح والنقاء بتوظيف الضوء والألوان الساطعة.

وتظهر في العمل بقعة شديدة السطوع، وكأنها انفجار ضوئي بدرجات خفيفة من اللون الأزرق، وقد فسر بعض النقاد عوالم اللوحة بأنها تعبر عن الفترة السياسية الخانقة التي عاشتها بولندا في حقبة الستينيات من القرن الماضي، وكذلك بالظروف الأسرية القاسية التي مر بها الفنان، حيث توفيت زوجته وانتحر ابنه وفجع في بعض أفراد العائلة، غير أن البعض من النقاد والمؤرخين شبه اللوحة، إضافة إلى أعمال أخرى بقصيدة شعرية تتكشف عوالمه أكثر عبر التأمل والتأويل، كما أن بعض الكتاب أشاروا إلى أن خلف القبح والمشاهد الغريبة في لوحات بيكشينسكي يسكن الجمال وتتفجر ينابيع الحكمة والمعاني.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/56kdrscz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"