عادي
خواكين سورويا.. «سيد الضوء»

«غارسيا بالأبيض».. سطوع اللون وبراءة الطفولة

23:52 مساء
قراءة 4 دقائق
خواكين سورويا

الشارقة: علاء الدين محمود

قدّم الرسام الإسباني خواكين سورويا إي باستيدا، «1863 - 1923»، العديد من الأعمال الفنية التي رسخت في أذهان عشاق الفنون في موطنه وحول العالم، فاشتهر برسم البورتريه بصورة خاصة، وهو المجال الذي أبدع فيه وصنع من خلاله ابتكارات متميزة من خلال تقنية الضوء وتوظيفها بشكل رائع، إضافة إلى ذلك برع الفنان في المناظر الطبيعية والمواضيع الاجتماعية والتاريخية، ومعظم أعماله تميزت بتمثيل الناس والمناظر الطبيعية تحت أشعة الشمس في بلاده، وهو الأمر الذي جعل سورويا ينال سمعة دولية وعرضت أعماله في المعارض الكبرى في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا.

ولد سورويا في بلدة بلنسية، وحصل على تعليم فني أولي، وبعد ذلك في سن ال18 سافر إلى مدريد وحصل على دراسات متقدمة في اللوحات الفنية في متحف ديل برادو، وبعد إكمال خدمته العسكرية حصل على المنحة التي مكنته من الدراسة في روما لأربع سنوات حيث رحب به مدير الأكاديمية الإسبانية هناك، وتعرف إلى الرسم الحديث من خلال زيارة طويلة إلى باريس عام 1885 استمرت حتى 1888، ليعود بعدها إلى بلنسية، وفي عام 1890 انتقل إلى مدريد، حيث أنتج مجموعة من اللوحات الكبيرة في الموضوعات الأسطورية والتاريخية والاجتماعية، ليتم عرضها في المحلات والمعارض الدولية في مدريد، وباريس، والبندقية، وميونخ، وبرلين، وشيكاغو. وفي مجال رسم البورتريه، تأثر سورويا بالرسام جون سارغنت، وقام برسم العديد من الشخصيات الشهيرة مثل رئيس الولايات المتحدة وليام هوارد تافت، ولويس تيفاني، والملك ألفونسو الثالث عشر في إسبانيا.

  • إبهار

تعد لوحة «غارسيا بالأبيض»، من أجمل الأعمال الفنية التي أنجزها سورويا، حيث رسمه في عام 1896 بألوان الزيت على القماش، واكتسبت اللوحة شهرة خاصة وتناولها النقاد كدليل على براعة الفنان في توظيف الإضاءة، حتى أنه لقب من قبل المؤرخين والنقاد ب«سيد الضوء»، ويتجلى ذلك الإبداع بشكل كبير في هذه اللوحة الأيقونية، التي تنتمي إلى منهجية الفنان وأسلوبه في رسم الشخوص والبورتريهات، كما أن العمل يحتشد بالأفكار والرؤى في سياق محاولات الفنان المستمرة تقديم كل ما هو جديد في رسم البورتريه والطبيعة من حوله، ولئن كان بعض النقاد قد وصف سورويا بأنه فنان انطباعي، فإن تعامل سورويا مع الضوء بطريقته الخلاقة والمبتكرة والخاصة جعله عصياً على التصنيف، وربما ذلك ما دفع الناقد نري روشفور إلى القول وهو يتأمل إبداعاته: «هذه ليست انطباعية، ولكنها مثيرة للإعجاب بشكل لا يصدق». ولعل المتأمل في هذه اللوحة «غارسيا بالأبيض» يكتشف ذلك الولع الكبير بلعبة الضوء والظلال عند الفنان، وهو الأمر الذي يظهر كذلك في العديد من لوحاته الأخرى، بحيث أن الدهشة تتسلل إلى المشاهد الذي لا شك أنه سيعجب بشكل كبير بأسلوبية سورويا فيما يتعلق بإظهار تفاصيل الوجوه والأشياء المحيطة وبانسكاب الضوء على مشهد اللوحة.

  • خلفية

في هذه اللوحة يرسم سورويا ابنه غارسيا، حيث اعتاد رسم أفراد من أسرته في مواضع ومشاهد مختلفة، سواء بورتريه، أو كمشهد طبيعي خلال فصول السنة المختلفة، بما في ذلك زوجته كلوتيلد وابنهما خواكين، إضافة إلى لوحة أخرى تظهر فيها زوجته وبنتاهما ماري وإلين، وكذلك هذه اللوحة لابنه غارسيا، كما أن آخر أعمال سورويا لوحة لابنه غارسيا رفقة كلبه، وعمل الفنان خلال تلك اللوحات على التقاط أروع التفاصيل، ولعل ما يجمع بين لوحة «غارسيا بالأبيض»، وبقية لوحات الأسرة هو الحمولة العاطفية في مجمل هذه اللوحات، التي تظهر ذلك الحب الكبير للفنان تجاه أفراد أسرته وعائلته، وكذلك فإن الذي يجمع بين تلك الأعمال هو الضوء، بوصفه ذلك الخيط الشمسي المُنسلّ من شمس بلاده نفسها، والذي ظل حاضراً بكل ما أوتي من توهّج، وهي بصمة خاصة في أعماله، ولعل ذلك من أكثر الأشياء التي ميزته عن بقية الفنانين الانطباعيين أواخر القرن التاسع عشر.

  • وصف

يظهر في مشهد الصبي غارسيا ابن الفنان، وهو يرتدي ملابس باللون الأبيض الناصع والزاهي والمشع، بطريقة تجعل البهجة تغمر قلوب المشاهدين، مع خلفية تحمل ألواناً متنوعة ما بين البنفسجي والأخضر ودرجات من الأبيض، بحيث تبدو الخلفية وكأنها لوحة قائمة بذاتها، غير أن السطوع في اللون الأبيض وإظهار تفاصيل الوجه تجعل الصبي هو مركز العمل، بحيث يتوجه المتلقي ببصره مباشرة نحو ذلك الطفل الجالس على كرسي، ثم يطالع بعدها بقية أجزاء المشهد، وهنا تكمن براعة الفنان في جعل الضوء يغمر ذلك الصبي خاصة وجهه وزيه الأبيض الناصع، كما يلاحظ المشاهد أن الصبي يجلس بطريقة تجعله يتوجه ببصره إلى زاوية معينة بتعابير تشير إلى براءة الطفولة، وكذلك الأجواء الأسرية الحميمية، وفي قراءة أخرى للعمل يمكن اكتشاف أن الابن قد تربى في كنف عائلة محبة له، واللوحة بشكل عام تشير إلى التفاصيل المدهشة والرائعة التي يصنعها التوظيف المبتكر للضوء.

تشكل اللوحة اليوم جزءاً من مجموعة اللوحات الفنية والتاريخية في متحف سورويا في العاصِمة الإسبانية مدريد، حيث إن للفنان متحفاً يحمل اسمه، يقصده عشاق الفنون حول العالم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ye22bzb9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"