غضب جنوب إفريقي

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

تعكس نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في جنوب إفريقيا، مؤخراً، حجم الغضب الشعبي من سياسات حزب المؤتمر الوطني الداخلية، بالدرجة الأولى، بعد أن هيمن على الساحة الجنوب إفريقية منفرداً، منذ الإطاحة بنظام الفصل العنصري قبل نحو 30 عاماً، ما أدى إلى فقدانه الأغلبية المطلقة، وفرض عليه الدخول في تحالفات جديدة للبقاء على رأس السلطة.

قد يكون تراجع حزب مانديلا منتظراً، بالنسبة إلى كثير من المحللين والمراقبين، ولكنه قد لا يبدو منطقياً بالنسبة إلى حزب شكّل عنواناً للتحرر الوطني من نظام الفصل العنصري، لو لم يكن هناك الكثير من الإخفاقات والفشل في قيادته لهذه المسيرة الطويلة. ويأتي في مقدمة ذلك فشله في وضع حد للفساد المتنامي، ومواجهة البطالة، والفقر، والركود الاقتصادي، وارتفاع معدلات الجريمة، وغياب التوزيع العادل للثروة، ما أغضب الجنوب إفريقيين، ودفعهم إلى معاقبة الحزب برسالة شديد اللهجة، فحواها أنه إذا لم يتم تدارك هذه الإخفاقات فإن الباب سيكون مفتوحاً أمام التغيير، وصعود المعارضة إلى سدة الحكم.

العقاب جاء سريعاً بفقدان أحفاد مانديلا الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية (البرلمان)، وتراجعهم من 57.5 في المئة في انتخابات عام 2019، إلى أكثر بقليل من 40% في انتخابات 2024، فيما حصل التحالف الديمقراطي المعارض على 21 %، وحزب الرئيس السابق جاكوب زوما على نحو 15%، بينما حصل حزب المقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية اليساري على نحو 9.5%. هذا التراجع له دلالات كثيرة بالطبع، وإن لم يكن له تأثير كبير في مجال السياسة الخارجية، إلا أنه سيترك بصمات قوية على الوضع الداخلي، إن كان على صعيد التحالفات والاستحقاقات المترتبة على المشاركة في السلطة، أو على صعيد انتخاب رئيس للجمهورية وإبقاء المنصب في عهدة حزب المؤتمر الوطني.

بهذا المعنى فإن حزب أحفاد مانديلا، وإن كان لا يزال يحظي بأغلبية برلمانية، إلا أنه سيدفع ثمن فشله وإخفاقاته السابقة لا محالة، وهو أمر طبيعي في بلد يعتمد نظام التمثيل النسبي. ولكن أحفاد مانديلا باتوا اليوم مطالبين، أكثر من أي وقت مضى، بإعادة النظر في مجريات المسيرة التحررية، ومراجعة الأخطاء التي واكبتها، لمعالجتها والقيام بالإصلاحات اللازمة لاستعادة معنى، ومبنى، وقيم التحرر الوطني خدمة للأجيال المقبلة.

إذ لا يعقل ألا تتحقق حتى الآن أحلام الجنوب إفريقيين في الحصول على التعليم، والسكن، والخدمات الأساسية من كهرباء ومياه، وغيرها كان الحزب قد تعهد بها منذ إنشائه. كما لا يعقل أن يبقى الحزب مكتوف الأيدي أمام فضائح الفساد، وتنامي الجريمة، والبطالة، وعدم تحقيق الإصلاحات الزراعية والاقتصادية المطلوبة.

وبالتالي، يمكن اعتبار تراجع الحزب في هذه الانتخابات مجرد كبوة، أو خطوة إلى الوراء، شريطة أن تتبعها خطوات إلى الأمام للإمساك مجدداً بزمام المبادرة، واستعادة الثقة بالجنوب إفريقيين، وتحقيق الأحلام التي راهنوا عليها منذ البداية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/29ez6jv3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"