مناورة البنوك المركزية حول هدف التضخم

22:01 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان *

إن خفض أسعار الفائدة الذي أعلنته كندا وأوروبا (مجموعة السبع) هذا الأسبوع يبدد فكرة أن تحقيق هدف التضخم، والمحدد ب2%، شرط مسبق لتحركات البنك المركزي أو أنه معقول بالأساس، وربما يوجه التفكير في بنك الاحتياطي الفيدرالي وأيضاً بنك إنجلترا.

وشهد يوما الأربعاء والخميس قيام بنك كندا والبنك المركزي الأوروبي على التوالي، اللذين يغطيان أربعة من الاقتصادات الكبرى في مجموعة السبع، بخفض أسعار الفائدة في أول انعكاس لمسار استمر على مدى عامين من تشديد السياسة بهدف كبح ارتفاعات التضخم بعد وباء كوفيد.

وفي تحرك واضح يعلن كلاهما عن الخفض حتى مع بقاء معدلات التضخم الرئيسية أعلى من 2.0% المستهدفة (2.6% في منطقة اليورو و2.7% في كندا)؛ كما أن معدلات السلع الأساسية، باستثناء أسعار الطاقة والغذاء والأسعار المتقلبة الأخرى، مرتفعة.

الأسباب موثقة بشكل جيد؛ فالبنوك المركزية تستمر في الإصرار على أن الهدف سيتحقق وتتوقع النجاح في هذه المعركة خلال العام أو العامين المقبلين، وتزعم أن السياسة تصبح وقائية بإزالة القليل من القيود المفروضة على الاقتصادات البطيئة النمو.

ولكن التوقيت يكشف أيضاً عن الدرجة التي ترى فيها البنوك المركزية ما قد يبدو وكأنه أهداف محددة، وكيف أن الوصول بالتضخم إلى حدود عُشر نقطة مئوية واحدة، انخفاضاً من هدف تعسفي إلى حدٍ ما، ربما يكون مهمة حمقاء على أي حال. ويشكك العديد من صناع السياسات والاقتصاديين في الحكمة من استهداف تلك النقطة مستشهدين بالخلل في جانب المعروض من العديد من السلع التي تظهر التضخم، والمخاوف من الأضرار الأوسع نطاقاً التي قد تلحق بالاقتصادات لمجرد تحقيق هدف 2%.

وبعد أن تم النجاح في خفض التضخم إلى ربع الذروات التي شهدناها في عام 2022 فإن خطر فرض الركود وارتفاع معدلات البطالة لمجرد القضاء على نصف نقطة مئوية أخيرة يبدو للبعض ثمناً باهظاً للغاية.

وينطبق هذا بشكل خاص إذا كان خطر عودة تسارع التضخم منخفضاً، حسبما تشير توقعاتهم وأسعار الأسواق المالية.

ثم تنتقل المناقشة بعد ذلك إلى درجات «تقييد» السياسات، والتي يتم الحكم عليها في الأساس من خلال مدى ارتفاع معدلات أسعار الفائدة الحالية عن المستويات «المحايدة» المفترضة التي لم تعد تؤثر على النشاط الاقتصادي أو تحفزه.

وهذا في حد ذاته يترك مجالاً كبيراً للمناورة بالنسبة لمعظم البنوك المركزية.

وحتى لو كان هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن أين تكمن تلك المعدلات المحايدة النظرية إلى حد كبير، فإن معظم الخبراء يتفقون على أنها ستكون أقل كثيراً مما هي عليه الآن، ما يسمح للبنوك المركزية بالمطالبة بالتوقف حتى عندما تقوم بتخفيض أسعار الفائدة على الاقتراض.

وتشير تقديرات البنك المركزي الأوروبي ومسؤولي بنك كندا، أنفسهم، وصانعي السياسة في بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن معدل أسعار الفائدة المحايدة من المحتمل أنه تسلل إلى الأعلى منذ جائحة كوفيد-19 لكنه لا يزال ما يقرب من نصف المستويات الحالية.

وقد بذل المركزي الأوروبي وبنك كندا جهوداً حثيثة للتأكيد هذا الأسبوع على أن التخفيضات الأولى لا تنذر بالضرورة بسلسلة من شأنها أن تمحو القيود النقدية تماماً، كما أنهما يواصلان مراقبة كل شيء، بدءاً من ضغوط الأسعار القطاعية وحتى التطورات المتعلقة بالأجور.

بغض النظر عن القيود، فإن الأهداف الرسمية للبنوك المركزية نفسها ليست دائماً صارمة كما تبدو.

فعلى سبيل المثال، يشير بنك كندا باستمرار إلى هدفه البالغ 2% علناً، لكن أحدث اتفاقية إطارية له مع الحكومة التي تغطي الفترة 2022-2026 تشير إلى هدف 2% كنقطة متوسطة من 1% - 3%، وهو نطاق السيطرة على التضخم.

وبما أن التضخم الكندي قد أمضى بالفعل نحو أربعة أشهر تحت الحد الأعلى لهذا النطاق، فليس من الصعب رؤية الضوء الأخضر للتراجع في ظل تباطؤ الاقتصاد المحلي بشكل حاد.

وعلى مدى 18 عاماً اعتاد البنك المركزي الأوروبي أن يكون لديه هدف يتمثل في جعل التضخم «أقل من 2% ولكن قريباً منه»، لكن مراجعة استراتيجيته لعام 2021 اعتمدت هدفاً أكثر تناسقاً حول 2% «على المدى المتوسط»، والذي كان يهدف في ذلك الوقت إلى معالجة سنوات من النقص في الأداء والاعتراف بأن المتوسط على مدار الوقت كان أفضل.

وعلى الرغم من أنه رفع توقعات التضخم لعامي 2024 و2025 قليلاً بينما خفض أسعار الفائدة يوم الخميس، إلا أنه لا يزال يتوقع أن يصل متوسط التضخم إلى 1.9% في عام 2026.

وبالنسبة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي فإن التضخم الذي يلحظه من مقياس نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي يشبه الآن نظيره الذي يواجهه البنك المركزي الأوروبي وبنك كندا لكنه متردد في تخفيض الفائدة بسبب الاقتصاد الأقوى، والموقف المالي الأمريكي الأكثر مرونة.

ومع ذلك فقد سبق البنك المركزي الأمريكي نظيره الأوروبي في تحول استراتيجيته في عام 2020 نحو متوسط طويل الأجل للتضخم في تقييم هدفه.

ورغم أنه تجنب هذا النهج علناً خلال المعركة الأخيرة، ومن المتوقع أن يجري مراجعته التالية في وقت ما من العام المقبل، فإن النهج برمته يقلل من تأكيد فكرة الوصول إلى نسبة 2% على وجه التحديد في أي وقت باعتباره المحفز الوحيد للسياسة.

وعلاوة على ذلك فإن حملة التشديد المنفردة التي قام بها الفيدرالي في الفترة 2016-2019 لإعادة معدلات أسعار الفائدة إلى الحياد تم تنفيذها أيضاً حتى عندما تراجعت معدلات نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية إلى أقل من 2% طوال تلك الفترة باستثناء شهرين.

وبعبارة أخرى فإن العودة إلى المعدلات المحايدة لم تتطلب أن يصل التضخم إلى الهدف الموضوع.

ويمكن تطبيق هذه الحجة ذاتها في الاتجاه المعاكس الآن.

وبالنسبة للمستثمرين فمن المرجح أن يكون التحيز من الآن سياسة أكثر تشدداً في المتوسط في السنوات المقبلة، لكن هذا ربما لا ينبغي أن يمنع بعض الخفض من الآن أيضاً.

* محرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrx35aa9

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"