عادي

أطول يوم في تاريخ اليابان

22:45 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

في الساعة الثانية عشرة ظهر الخامس عشر من أغسطس عام 1945 حدث أمر تاريخي في اليابان: حيث سمع الشعب الياباني صوت إمبراطوره لأول مرة، يخبرهم في الراديو أن بلدهم خسر الحرب (العالمية الثانية).

وهذا الكتاب الذي كتبه مجموعة من الباحثين، وعنوانه «أطول يوم في تاريخ اليابان.. التعصب الذي قاد اليابان إلى حافة القيامة» (ترجمة فدوى فاضل) هو سجل تفصيلي للأربع والعشرين ساعة التي سبقت ذلك البث، منذ الاجتماع الإمبراطوري، حيث اتخذ قرار الاستسلام إلى خطاب الإمبراطور نفسه.

كان ذلك أطول يوم يعيشه شعب اليابان في تاريخه، وهنا يحكي «ك. هاندو»، مدير معهد دراسات حرب الباسيفيك أنه كان في الصف الثالث الإعدادي يوم تحدث الإمبراطور من الراديو، وحينها كان يعمل في مصنع للعتاد الحربي، تعرض للقصف، وقتل عدد من زملائه، لذلك كان شعوره في منتصف ذلك اليوم خليطاً من المرارة والغضب، مع إحساس بعبثية الأمل، كانوا بشكل أو بآخر عرضة لرعب الحرب، التي كانت مثل قدر لا يمكن تجنبه، وكان عليهم تحمل قسوة المشاهد اليومية لوحشية الإنسان ضد الإنسان.

  • تجربة كارثية

على الرغم من أن الخامس عشر من أغسطس وضع نهاية لبعض تلك الوحشية، فإن الهزيمة بالنسبة للشعب الياباني كانت تجربة كارثية من الصعب جداً قياس آثارها، أن تموت من أجل وطنك كان على الدوام واجباً دينياً، في اليابان، إن محنة استسلام اليابان كانت أشبه بزلزال ما فتئت آثاره بادية حتى اليوم، فالأحداث تصاعدت بسرعة، لونت الذاكرة بطريقة قدرية لا يمكن تجنبها، فهناك ذكريات شاحبة لرجال لهم أسبابهم لاسترجاع ما يريدون تذكره فقط، أو تكرار ما يرغبون بتكراره فقط، ثم على المؤرخ أن يستخلص الحقيقة من الزيف.

يكشف الكتاب جانباً من الحالات النفسية التي كانت تتحكم سراً بمواقف وسلوك شخصيات سياسية وعسكرية كبيرة، تتحدث بلياقة وهدوء لكن دواخلها تعتمل بالغضب والفزع والضياع، مطلوب منها اتخاذ قرارات سريعة لمصارعة الزمن الذي يهدد في لحظاته الأخيرة أكبر إمبراطورية استعمارية في الشرق بالانهيار، وقادتها بالهوان، بعد أن أصبحوا يعيشون في ملاجئ تحت الأرض، محاصرين بين نزعة ضباطهم المتعصبة للاستمرار في الحرب، وبين هزائم جيوشهم المتوالية أمام زحف قوات الحلفاء، تعززها غارات كثيفة فوق مدن اليابان وعاصمتها طوكيو، ثم مسح هيروشيما وناجازاكي من الوجود بأول سلاح نووي يستعمل في التاريخ.

في بداية عام 1945 أنهى الأمريكيون احتلال اليابان للفلبين، وفي العام نفسه اجتمع قادة الدول الحليفة في ضاحية بوتسدام بمدينة برلين بعد احتلالها، وأنذروا اليابان بالاستسلام أو مواجهة الدمار، لكن اليابان واصلت القتال، وعلى مدى عشرين يوماً قبل اليوم الأخير، استيقظ الشعب الياباني على ما بدا له يوم حرب عادياً من أيام الصيف الحارة.

  • توتر

كان الناس في كل أنحاء اليابان، في ذلك اليوم، يراقبون عقارب ساعاتهم تتحرك باتجاه منتصف النهار، مثل شخصيات مزدحمة في فيلم سينمائي تتوقف فجأة، كانوا ينتظرون سماع صوت الإمبراطور، كانت الأغلبية مستعدة لنهاية الموت والدمار والجوع واليأس الذي عاشه الشعب، وطالما في النهاية سيبقى الإمبراطور مصاناً، بدا أن الحياة في العاصمة توقفت، كان الكل متسمراً بجانب الراديو.

«بيان على درجة قصوى من الأهمية» قال المذيع: «سوف يبث عليكم الآن يرجى من جميع المستمعين الوقوف» وقفت الأمة اليابانية على أقدامها بدا أن جميع البشر القادرين على الوقوف - باستثناء الإمبراطور – قد نهضوا واقفين، كان جالساً على كرسيه متوتراً، ما أخاف الحاجب، فطأطأ رأسه منحنياً.

«صاحب الجلالة الإمبراطور» قال المذيع: «سيقرأ إعلاناً إمبراطورياً لشعب اليابان، بكل الاحترام، ننقل لكم صوت جلالته» تلا ذلك أداء النشيد الوطني الياباني، وبعد فترة صمت قصيرة جاء الصوت الذي طال انتظاره وقوراً متعباً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2bwps42c

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"