عادي

كيف تتحدث عن كتاب لم تقرأه؟

00:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

«كيف تتحدث عن كتاب لم تقرأه؟» (ترجمة غسان لطفي) كتاب لافت في موضوعه، وليس كغيره من الكتب، فالكثيرون يوقنون بأنه لابد من قراءة الكتاب قبل أن تحكم عليه، ومؤلف الكتاب هو بيير بايار أستاذ الأدب بجامعة باريس سان دوني، ومحلل نفسي وله العديد من الكتب المثيرة للجدل التي يجسد فيها رؤية غير تقليدية للأمور.

من أشهر كتبه «من قتل روجر أكرويد؟» وهو كتاب مبني على رواية أغاثا كريستي، وكل كتبه تدور حول كتب أخرى، إنه يعيد فتح التحقيق في قضية مقتل روجر أكرويد ويفنّد استنتاجات المحقق البلجيكي الشهير هيركول بوارو.

يسعى الكتاب إلى إزالة الشعور بالذنب، وفي سبيل ذلك ينتقد المؤلف الفصل الصارم بين القراءة واللا قراءة باعتبارهما حالتين متمايزتين تماماً، ليقول إن ثمة طيفاً كاملاً من الدرجات بين هذين الحدين، كأن نتصفح الكتاب مثلاً، أو نستعين بما يقوله الآخرون عنه.

ويشير المؤلف إلى بعد مهم في عملية القراءة كثيراً ما يستهان به، أو يهمل، ألا وهو النسيان، والنسيان ليس آفة القراءة (كما في المثل العربي الشهير آفة العلم النسيان) بل هو جزء منها، وهو ما ينسف المفهوم التقليدي للقراءة، فهل يبقى الكتاب الذي قرأناه يوماً ما ثم نسينا كل ما فيه ؟.

  • إعادة نظر

يعيد المؤلف النظر في مفهوم القراءة ومفهوم اللا قراءة الذي يختلف عن انعدام القراءة أو غيابها، فمفهوم الكتاب أو العمل المكتوب يتزحزح هو أيضاً، لتحل محلّه مفاهيم أخرى جديدة اصطنعها بايار مثل «الكتاب الداخلي» و«الكتاب الشبح» أو «شبح الكتاب».

وبعد أن يقدم بايار عدداً من النصائح والمخارج لمن توقفهم الحياة موقف المضطر إلى الحديث عن كتاب لم يقرأوه ينتهي إلى ما يمكننا اعتباره قطب الرحى في كتابه: ضرورة ألا تقف الثقافة والقراءة حائلاً بيننا وبين الحياة، وأن نتحول من قراء سلبيين منفعلين إلى قراء إيجابيين فاعلين.

  • تراجع

كما أن الكتاب يقدم نظرية – في رأي النقاد – لا يمكنها إلا أن تسحر من يستمعون له من الشباب خصوصاً، إذ نشهد اليوم تراجعاً في الاهتمام بالأدب، وانحساراً في القراءة، وتكاثراً لوسائط القراءة الإلكترونية التي تستهوي الشباب أكثر بكثير مما يفعل الكتاب.

أيضاً يدعو القراء إلى أن يصيروا كتاباً، إذ يشكك في وجاهة الاهتمام بمضمون الكتاب لصالح الاهتمام بما يسميه «موقعه» فهو ينسف مفهوم القيمة ذاته، إذا كان الحديث عن الكتاب متعلقاً بأي شيء آخر ما عدا الكتاب نفسه، صارت الكتب كلها سواء والكتّاب كلهم على صعيد واحد.

عن هذه الآراء يقول بايار إن عدم قدرة القراء أي النقاد، على التفريق بين مستويات الجد والسخرية في نصه، تثير حنقه، فكاتب النص، أيّ نص، ليس ذاتاً واحدة متجانسة، وضمير الأنا في متن الكتاب، أي السارد، ليس هو بيير بايار بل جزء منه فقط.

ينبغي أن ننتبه إلى أن الكثير من الأمثلة التي يسوقها بايار، ليشيد بها بنياته النظري، مستقاة من روايات، أي أنها أمثلة متخيلة، إضافة إلى أنها تتسم بسمة كاريكاتورية تماماً مثل كتابه «كيف نحسن الأعمال الأدبية الفاشلة؟»، وهو مكتوب بمنطق أن الأعمال الفاشلة من حيث فشلها تحديداً تكشف عن جزء من آليات العبقرية أي عبقرية مؤلفيها الذين كتبوا مآثر عظيمة.

  • تعلم

هل كتب بايار كتابه هذا ليعلن موت القراءة؟، يلاحظ القارئ أن الكتاب يضم كثيراً من الاستشهادات وبايار نفسه يقول إنه قرأ كثيراً وهو يضع كتابه هذا، فقد كان عليه أن يجد الأمثلة، ما يريده بايار هو دفع الناس إلى أن يحيوا مع الكتب، بدل قراءتها فقط، بتعبير أمبرتو إيكو «أن تحيا مع الكتاب معناه أن تتخذه رفيقاً يؤنسك وتتعلم منه».

أن تحيا مع الكتاب معناه ألا تدع الكتاب يحول بينك وبين أن تفصح عما بداخلك، وتعبر عن نفسك، وربما تكتب، وهنا يرد بايار على من اتهموه بأنه يريد أن يكون كل الناس كتاباً، وعلى قدم المساواة، بقوله إن هدفه هو تحرير الممكنات الموجودة في كل فرد، مع علمه بأن قلة فقط هم من سيصيرون كتّاباً.

في لقاء جمع بايار وإمبرتو إيكو في مكتبة نيويورك العامة قال الكاتب: «إن كتابي هذا هو قصيدة في حب الكتب والقراءة، ما أقوله للشباب هو أن تعالوا إلى الكتب، ولكن اسلكوا إليها سبلكم الخاصة لكي تبنوا مكتباتكم».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5cvk36s8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"