هل لك في رحلة شعريّة على أجنحة الفيزياء الفلكية؟ علاقة الشعر بالفيزياء جسورها كثيرة، لكننا سنذهب إلى بعيد. في المبنى، الشعر قائم على اللغة، على مخارج الأصوات، ولكل حرف ذبذبات وتردّدات خاصة تصدر عن أوركسترا، من عمق حرف العين إلى طرف الشفة في لغتنا، الباء. الخليل الفراهيدي طريف في تصنيفه قاموسه «كتاب العين» طبقاً لتراتبيّة مخارج الأصوات، وهو ترتيب موسيقيّ فريد. آلات الأوركسترا: البطن، الرئتان، القفص الصدري، المريء، الحنجرة، الحلق، اللهاة، اللسان، الأسنان، الشفتان، الفكّان، الأنف، الأذنان، تجويفات الرأس. يجب أن تُعدّ الأسنان أكثر من آلة، فأيّ تغيير يطرأ على بعضها يتغيّر مخرج الصوت. مخارج أصوات الأدرد لها موسيقى، كأن الكلمات تمشي في أرض موحلة. ومن وجوه ارتباط الشعر بالفيزياء في العربية شدّة تجلّي الإيقاعات في التفعيلات، التي هي رياضيات من حيث تقسيم الزمن إلى وحدات: فعولن، متفاعلن، فاعلاتن، مفاعيلن، مستفعلن... تضاف إليها المخارج الصوتية، التي هي موجات صوتية لها تردّدات محددة.
الموضوع المقصود هو حوامل الشكل الشعري، المتمثلة في الخيال. علينا ألاّ نظن أن الأصالة هي: «إنّا وجدنا آباءنا...»، فأين أصالة الحاضر والمستقبل؟ لا جدال في أن الميراث حافل بالروائع، وأن الاطلاع عليه ودراسة تقنياته ضرورة قصوى، فما كل ماضٍ قديم بات في عداد الرميم. لكن، على شعرائنا ومثقفينا أن يقفوا عند هذه المسألة، وأن يعكفوا عليها تحقيقاً وتدقيقاً: الخيال الشعري له صلات وثيقة ببيئته وطريقة تفكير محيطه، وبمنظومة القيم السائدة في مجتمعه الصغير أو الكبير. للخيال إذاً مصادر وروافد. من بين تلك المناهل العلوم والمعارف في ذلك العصر، علوم الأرض وعلوم الكون. لهذا على المناهج أن تحس بالمسؤولية إزاء النشء الجديد، في ما يتعلق بتربية الخيال، من خلال التبكير بالتربية العلمية. يجب أن يشعر الطفل بأنه ابن الكون، وليس مجرد ابن تسعة شهور في بطن أمّه.
إذا كان ضرورةً قصوى الغوص والاندماج في جذور تراثنا الأدبي، فإن ذلك لا يعني إطلاقاً أن «نعتنق» أفكار ذلك العصر، وأن تتقمصها عقولنا، وأن تغدو أجنحةً لخيالنا الشعري والإبداعي عموماً. عندما تحيط بتقنيات «رسالة الغفران» أو أعمال باخ، فهذا لا يعني أن تنسج على منوالها. خيال النشء الجديد يجب أن يكون ابن زمانهم، ابن عصر الفيزياء الفلكية وفيزياء الكم.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإشراقية: صور الخيال تتغير لدى الطفل حين تقول له إن مئة ألف شمس تولد في كل ثانية في الكون، أي ثلاثة آلاف مليار شمس كل سنة، فكل عام والشموس بخير.
