الصين بين الأمريكتين وبروكسل

22:24 مساء
قراءة 4 دقائق

مارغريت مايرز *

مع تشديد الولايات المتحدة التعريفات الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية، وفرض الاتحاد الأوروبي لتدابيره الخاصة، تتكشف سوق أمريكا اللاتينية أكثر فأكثر أمام واردات تلك السيارات الأرخص بشكل كبير، مع زيادة الاستثمار في الإنتاج المحلي والمعادن الحيوية.

وقد يكون لنمو صادرات السيارات الكهربائية الصينية إلى بلدان مثل البرازيل والمكسيك، حيث أُنشئت مراكز محلية للبحث والتطوير والإنتاج والمبيعات، فضلاً عن تعدين الليثيوم في أمريكا اللاتينية وغيرها من الأسواق النامية، آثار إيجابية كبيرة على المنطقة، رغم أن التأثيرات البيئية والاجتماعية لتوسيع تعدين الليثيوم لم تتحقق بالكامل بعد.

ومع ذلك، من المرجح أن تؤدي جهود واشنطن وبروكسل لكبح جماح بكين في القطاع إلى تحويل مزيد من قنوات التجارة العالمية باتجاه شواطئ أمريكا اللاتينية ومناطق أخرى.

في الواقع، قفز إجمالي صادرات الصين من السيارات الكهربائية منخفضة التكلفة بنسبة 102% على أساس سنوي من عام 2021 إلى عام 2022، منها حوالي 630 ألف سيارة كهربائية بالكامل في عام 2022 على الرغم من تدابير الحمائية في الشمال العالمي.

واحتلت أمريكا الجنوبية مكانة بارزة في هذه الأرقام، مع 6.7% من الإجمالي في ذلك العام. لكنها لا تزال متأخرة عن الأسواق المتقدمة، وتلك الأقرب إلى البر الرئيسي، مثل جنوب شرق آسيا التي تمثل 10% من الإجمالي. كما تضاعفت قيمة مبيعات الصين إلى المنطقة العام الماضي، مسجلة 2.7 مليار دولار.

وسواء عبر سعيها إلى أسواق المركبات الكهربائية، أو المعادن الحيوية، تبنت الشركات الصينية في أمريكا اللاتينية نهجاً مدروساً للتجارة والاستثمار. وفي حالة المركبات الكهربائية، سعت أسماء صينية بارزة مثل «بي واي دي» إلى ترسيخ نفسها، أولاً، شريكاً بارزاً في بيع المركبات التجارية مثل الحافلات الكهربائية، مستفيدة من فجوة العرض. وبعد ذلك، سوقت لسيارات الركاب الكهربائية، مع التركيز على التصدير وتوطين الإنتاج وقضايا البحث والتطوير.

في البرازيل، وفي وقت مبكر من عام 2014، ركزت «بي واي دي» على تصدير الحافلات الكهربائية والمركبات التجارية إلى مدينة كامبيناس، ثم أنشأت فيها لاحقاً مصنعاً للبطاريات والطاقة الكهروضوئية، جنباً إلى جنب مع مركز للبحث والتطوير متخصص بالشبكات الذكية وتقنية «إل إيه دي» والألواح الشمسية.

وفي عام 2019، أعلنت الشركة عن نيتها بناء مصنع بطاريات جديد بقيمة 2.7 مليون دولار في مانوس، عاصمة ولاية الأمازون. وتعمل «بي واي دي» الآن على توسيع نطاق تصنيع السيارات الكهربائية للمستهلكين عبر بناء مصنع آخر للسيارات الكهربائية والبطاريات بقيمة 611 مليون دولار في ولاية باهيا.

أما في المكسيك، فقد عززت «بي واي دي» نشاطها تدريجياً، على الرغم من أن الموردين غمروا مراكز التصنيع المكسيكية على مدى العامين الماضيين. وقد أثار النمو السريع في صناعة الأجزاء والسيارات الصينية في مكسيكو سيتي مخاوف واشنطن بشأن استخدام الصين لاتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا لتجنب التعريفات الجمركية الأمريكية. ولكن كما هو الحال في البرازيل، وبما يتفق مع استراتيجيتها «الأعمال أولاً، ثم المستهلكون»، تهتم «بي واي دي» بتصنيع السيارات الكهربائية في المكسيك للسوق المكسيكية أيضاً.

في غضون ذلك، اجتذبت أمريكا اللاتينية، التي تحوي 60% من احتياطيات الليثيوم العالمي، استثمارات دولية متعددة، بما في ذلك شركات تعدين الليثيوم الصينية الكبرى مثل «جانفينغ»، و«تيانكي». وتم الاستحواذ على أصول الصين في الأرجنتين غالباً من خلال عمليات الاستحواذ من شركات التعدين الأجنبية التي حصلت بالفعل على امتيازات الليثيوم. وبمرور الوقت، تولت الصين حصصاً أكبر في هذه الحقول بحيث أصبحت الآن المشغل الوحيد للعديد من المناجم. وكان تقدم بكين أبطأ في بوليفيا وتشيلي حيث يفكر كل منهما في كيفية إدارة استثمار المعدن الحيوي.

إن الوجود المتزايد للصين في كلتا الصناعتين له آثار كبيرة في المنطقة، بما في ذلك اعتماد المركبات الكهربائية وتوقعات الانبعاثات ذات الصلة. ويدعم الليثيوم والمعادن الحيوية الأخرى في أمريكا اللاتينية سلسلة توريد المركبات الكهربائية والتحول في مجال الطاقة وغيرها من التقنيات. إن مدى ترجمة الاستثمار الصيني الجديد في المركبات الكهربائية إلى ترقية اقتصادية أو بعض مظاهر إعادة التصنيع في جميع أنحاء المنطقة يعتمد إلى حد كبير على الاستثمار المحلي والسياسة الصناعية في الدولة المضيفة. وسيكون ضمان الاستثمار ذي القيمة المضافة ونقل التكنولوجيا أمراً بالغ الأهمية لتحقيق هذه الأهداف.

في الوقت ذاته، مع كل مصنع تبنيه الصين، هناك مصانع أخرى يتم الإعلان عنها، ولكن ليست كلها قادرة على الصمود. فعلى سبيل المثال، لم يحدث الكثير منذ إعلان شركة «شيري» عام 2022 عن بناء مصنع بطاريات بقيمة 400 مليون دولار في الأرجنتين.

من المؤكد أن التعريفات الجمركية الأمريكية على السيارات الصينية ستقود مزيداً من النشاط في المنطقة، حتى مع محاولة الولايات المتحدة ثني المكسيك عن تقديم حوافز استثمارية لمصنعي السيارات وقطع الغيار الصينيين. وفي هذه الحالة، يمكن أن تصبح أمريكا اللاتينية سوقاً محورياً للسيارات الكهربائية الصينية وغيرها من الصادرات عالية التقنية التي تواجه عقبات متزايدة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

* مديرة برنامج آسيا وأمريكا اللاتينية في مركز الحوار بين الأمريكتين (منتدى شرق آسيا)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/c77tw54s

عن الكاتب

مديرة برنامج آسيا وأمريكا اللاتينية في مركز الحوار بين الأمريكتين (منتدى شرق آسيا)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"