الاقتصاد الأمريكي بين التصور والواقع

22:12 مساء
قراءة 4 دقائق

جيمي ماكغيفر*
بعد أولى مناظرات الطريق إلى البيت الأبيض لعام 2024، بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، وسلفه دونالد ترامب، توسعت الفجوة أكثر بين وجهة نظر الأمريكيين المتشائمة لاقتصاد بلادهم، والرفاه العام.

الآن، مضى أكثر من عام على حملة رفع أسعار الفائدة، الأكثر تشدداً من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، في أربعة عقود، وأصبح الاقتصاد في حالة جيدة بشكل ملحوظ. إذ لم يكن معدل البطالة منخفضاً إلى هذا الحد منذ فترة طويلة منذ، ستينيات القرن الماضي، والأجور الحقيقية آخذة في الارتفاع، ونمو الناتج المحلي الإجمالي أعلى من الاتجاه.

ويبدو أن «وول ستريت»، الحليف الأضعف للديمقراطيين، تتفق مع هذا الرأي. حيث إن الطفرة التحويلية المحتملة في مجال التكنولوجيا في أوجها، وتقلبات الأسهم وفروق الائتمان منخفضة تاريخياً، ولم تكن سوق الأسهم أعلى من مستوياتها الحالية قط.

فلماذا لا يشارك الشارع الرئيسي وجهة نظر سوق الأوراق المالية؟ ولماذا تظهر الاستطلاعات تشاؤم الأمريكيين المستمر بشأن الوضع الاقتصادي العام لبلادهم؟ هنا تجدر الإشارة إلى استطلاع رأي ل«رويترز» الأسبوع الفائت، أوضح أن ترامب يتفوق على بايدن بنسبة 43% مقابل 37% في خصوص من يملك النهج الأفضل لإدارة الاقتصاد.

والإجابة بالتأكيد لها علاقة كبيرة بالتضخم، وربما أقل بالاستقطاب السياسي المتسع بسبب الشعبوية التي تغذيها وسائل التواصل الاجتماعي، والمعلومات المضللة، وإثارة الخوف.

تقول هايدي شيرهولز، رئيسة معهد السياسة الاقتصادية في واشنطن: «القصة الاقتصادية الكلية قوية، ولكن هناك فجوة كبيرة بين الواقع وتصورات الناس، ما يشير إلى ضربة مزدوجة متمثلة في ارتفاع مستويات الأسعار من انفجار التضخم، والكثير من المعلومات المضللة حول الاقتصاد».

لا يمكن المبالغة في تأثير التضخم «الأعلى لفترة أطول» في تصورات الشعوب. وقد سلطت ورقة بحثية بعنوان «لماذا نكره التضخم؟»، لأستاذة الاقتصاد السياسي في جامعة هارفارد، ستيفاني ستانتشيفا، الضوء على الضرر الاقتصادي والسلوكي والعاطفي الذي يشعر به الناس بسبب هذه الآفة.

وتناول البحث الاستقطاب المتميز في الآراء حول التضخم على أساس الانتماء السياسي، والذي لا شك في أنه أوسع اليوم مما كان عليه في عام 1997. ووجد أن التضخم متجذر بعمق في تأثيره المتصور على الرفاهة المالية للناس والاقتصاد الأوسع، وهو موزع بشكل غير متساوٍ، ويؤدي إلى تفاقم التفاوت.

وفي السياق ذاته، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، نيل كاشكاري، لصحيفة «فاينانشال تايمز»، إنه يسمع أدلة متزايدة على أن الناس يفضلون الركود بدلاً من التضخم المرتفع. لأنهم إذا فقدوا وظائفهم، يمكنهم الحصول على المساعدة من الأهل، أو الأصدقاء، لكن في حال التضخم، الجميع سيتأثرون ولن يتسنى لأحد تقديم العون.

وتتعارض هذه الفكرة مع الدراسات الأكاديمية التي تُظهر أن الركود والبطالة أكثر إيلاماً من ارتفاع الأسعار. ويُقدر داني بلانشفلاور، الأستاذ في كلية دارتموث وصانع أسعار الفائدة السابق في بنك إنجلترا، أن ارتفاع معدل البطالة بمقدار نقطة مئوية واحدة يخفض الرفاهة بأكثر من خمسة أضعاف زيادة نقطة مئوية واحدة في التضخم.

وعندما سُئل صناع القرار، من هو المسؤول عن التضخم الحالي، كانت الإجابات واضحة ومفيدة، ألقى خلالها الجمهوريون اللوم بالطبع على بايدن وإدارته «السياسية والنقدية والمالية» للبلاد. حيث ذكر 41% منهم هذه العوامل الثلاثة، مقابل 21% من الديمقراطيين مجتمعين.

ومع ذلك، على الرغم من أن التضخم لا يزال أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، فإنه ليس بعيداً عنه. والواقع أن الانخفاض الحاد في التضخم من ذروة ما بعد الجائحة التي بلغت نحو 10%، كما يقاس بمؤشر أسعار المستهلك، عزز متوسط الأجور الحقيقية التي تنمو الآن لأكثر من عام.

ووجدت دراسة أجراها معهد السياسات الاقتصادية، أن الأجور الحقيقية بالساعة لأدنى 10% من أصحاب الدخول نمت بنسبة 12.1%، بين عامي 2019 و2023. وفي الفترة نفسها، شهد العمال من ذوي الأجور المتوسطة نمواً في الأجور الحقيقية بنسبة 3%، في حين نمت أجور أعلى 10% من أصحاب الدخول بنسبة 0.9% فقط.

إن هذا الانفصال الواضح بين المواقف الشخصية للناس تجاه التضخم، والصورة الكلية الأوسع ينعكس إلى حد ما في تصورات رفاهيتهم المالية الشخصية مقارنة بالبلاد. وقد أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة «غالوب» أخيراً، ارتفاعاً طفيفاً في «مؤشر الوضع المالي الشخصي» العام الماضي، الذي يقيس شعور الناس مقارنة بالعام السابق، وكيف يرون أنفسهم بعد عام.

لكن تقييم الأمريكيين الحالي للظروف الاقتصادية الوطنية تراجع إلى أدنى مستوياته منذ نوفمبر/ تشرين الثاني، وكان سلبياً تقريباً كل شهر منذ مارس/ آذار 2020. والسبب وفقاً للأبحاث التي نشرتها مؤسسة «بروكينغز»، وجود مصادر متحيزة للمعلومات دفعت تصورات غير دقيقة حول الأداء الاقتصادي الأمريكي في وسائل الإعلام.

ورغم أن هذه الظاهرة ليست جديدة تماماً، فإنها تساعد على تفسير السبب وراء اعتقاد كثير من الناس، خطأً، بأن الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، ولماذا تبدو مشاعر المستهلكين منفصلة عن واقع الاقتصاد الكلي.

*كاتب صحفي ومحلل مالي في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3jc4nwyc

عن الكاتب

كاتب في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"