«وول ستريت» تختبر «ابتسامة الدولار»

20:59 مساء
قراءة 3 دقائق

جيمي ماكغيفر *

في هذا الوقت الذي يزدهر فيه الدولار مدفوعاً بالارتفاع المضطرب في عائدات السندات الأمريكية، وتفاقم حالة عدم اليقين بشأن النمو العالمي، والتدهور السريع في معنويات المستثمرين، تطالعنا نظرية «ابتسامة الدولار» والدور الفريد الذي قد تلعبه العملة الأقوى في العالم مستفيدة من ارتفاع أسعار الفائدة ومخاوف النمو.

فجوهر النظرية، التي طرحها الخبير الاقتصادي ومحلل العملات ستيفن جين قبل 20 عاماً، تشير إلى سيناريوهين متناقضين يتفوق فيهما الدولار الأمريكي على العملات الأخرى، السيناريو الأول في الأوقات الجيدة، وذلك عندما يكون الاقتصاد الأمريكي قوياً وثقة المستثمرين في أوجها، وهناك تفاؤل في الأسواق. والثاني في الأوقات السيئة، عندما يكون أداء الاقتصاد العالمي سيئاً والأسواق تتجنب المخاطرة.

ويجذب الأداء المتفوق للاقتصاد الأمريكي، في ظل توسع عالمي قوي، تدفقات استثمارية جاذبة إلى الأصول الأمريكية، وعوائد سندات خزانة أعلى من نظيراتها الدولية، وهذه بلا شك وصفة مثالية لدولار قوي وأسواق مال مزدهرة.

كما أن الظروف التي عززت الارتفاع السريع لمؤشر الدولار منذ يوليو/تموز لا يمكن أن تكون أكثر مواءمة. فالاقتصادات الصينية والأوروبية والعديد من الاقتصادات الناشئة تتعثر، وتتزايد المخاوف من أن سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي المتشددة قد تؤثر داخلياً، بعد أن ترك الانفجار في العائدات الحقيقية للسندات «وول ستريت»، وخاصة أسهم النمو والتكنولوجيا، محاطة بسحابة من القلق وعدم اليقين.

وفي ما يتعلق ب«ابتسامة الدولار»، فهذه أوقات سيئة بكل تأكيد، يتنامى خلالها الشعور في الأسواق العالمية بأن العلاقة السلبية بين الأسهم الأمريكية والدولار والعوائد يمكن أن تستمر لعدة أشهر.

ويقول ستيوارت كايزر، رئيس استراتيجية تداول الأسهم الأمريكية في «سيتي»: «أتوقع أن تظل الأسهم سلبية خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة، إنها بيئة خالية من المخاطر». ويعتقد كايزر أن عوائد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» انخفضت بنحو 7.5% خلال الشهرين الماضيين، وأن أكبر مساهمين هما الدولار، الذي يمثل 3.3 نقطة مئوية من ذلك، والعائد الحقيقي لعشر سنوات الذي يمثل 2.1 نقطة أساس.

في السياق ذاته، ارتفع الدولار نحو 7% منذ منتصف يوليو/تموز حتى اليوم، وهو في طريقه لتسجيل مكسبه الأسبوعي الحادي عشر على التوالي. وهذا من شأنه أن يشكّل سلسلة مكاسب قياسية منذ بدأ عصر التعويم الحر للعملات قبل أكثر من خمسين عاماً.

وقد شهد الدولار نوبات من الارتفاعات الأقوى في السابق، كما حدث في أوائل الثمانينات والفترة ما بين 2014 و2015، ومنذ ذلك الوقت لم تكن هناك ارتفاعات أكبر وأكثر اتساقاً. لكن، في ظل عوائد السندات الأمريكية الأعلى منذ سنوات، والتي لا تزال تتفوق على نظيراتها العالمية، فجموح الدولار قد لا ينتهي عند هذا الحد.

إن قوة الدولار في مناخ استثماري «يتجنب المخاطرة»، وارتفاع عائدات السندات، وخاصة «الحقيقية» منها والمعدلة حسب التضخم، من الممكن أن يخيف المستثمرين في وول ستريت، الأمر الذي قد يغذي دوامة البيع والتخارج لتقليص المخاطر المحتملة.

صحيح أنه ليس هناك ما يشير إلى قرب انهيار الأسهم، لكن سرعة ومدى التحرك في قيمة الدولار وسندات الخزانة، وتشديد الأوضاع المالية، يسترعي الانتباه. ووفقاً لبنك «غولدمان ساكس»، فإن الظروف المالية في الولايات المتحدة هي الأكثر تشدداً هذا العام، وبما لا يختلف كثيراً عن الاقتصادات والمناطق الكبرى الأخرى، التي يشعر بعضها، كمنطقة اليورو، والصين، والأسواق الناشئة، بضغوط أشد صرامة.

في غضون ذلك، ارتفع مؤشر «الظروف المالية الأمريكي» لغولدمان ساكس بمقدار 95 نقطة أساس منذ منتصف يوليو، حيث يسلط الانهيار الضوء على تأثير الدولار والعوائد والأسهم على بعضها. قارن ذلك مع الارتفاع بمقدار 100 نقطة أساس في مؤشر «الظروف المالية العالمي»، أو القفزة بمقدار 145 نقطة أساس في ما يخص «الأسواق الناشئة» من أدنى مستوياتها في يوليو، والتي كانت مدفوعة بالكامل تقريباً بارتفاع أسعار الفائدة القصيرة والطويلة الأجل. وكما لاحظت جين فولي من «رابوبنك»، فإن الارتباط العكسي التاريخي بين الدولار وأسهم الأسواق الناشئة، وهو مقياس جيد للرغبة في المخاطرة، قوي إلى حد معقول. وقالت: «تشير المعطيات إلى أن الدولار قد يعد الملاذ الآمن عندما تشتد الحاجة، حتى مع تباطؤ الاقتصاد الأمريكي».

وإذا تكثفت هذه الديناميكيات وازداد الزخم، فإن سعر صرف الدولار القوي يمكن أن يبدأ أيضاً بالتهام القيمة الدولارية لدخل الشركات الأمريكية في الخارج، ما قد يكون له تأثير مادي في أرباح هذه الشركات.

* كاتب وصحفي في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4n8wm5rb

عن الكاتب

كاتب في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"