عائد إلى أرض البرتقال الحزين

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

لو كان غسان كنفاني (9 إبريل 1936-1972) على قيد الحياة، لكان الآن في نحو الخامسة والثمانين من عمره، وقد جلس على حوالي خمسين رواية أو أكثر فيما إذا كان قد واصل الكتابة، وما كان له إلا أن يظل في محيط السرد القصصي والروائي ومركزه أرض: البرتقال الحزين، لكن الموساد الإسرائيلي استكثر على الشعب الفلسطيني كاتباً شفافاً في مثل حساسية غسان، واغتاله ظهيرة 8/7/1972 في بيروت. ومنذ ذلك اليوم، وإلى الآن، وهو يكتب، لكن بشكل معكوس هو شكل القراءة: قراءته المتزايدة والمتجددة في الوسط الثقافي العربي، وقراءته الشخصية، فلم يكن متعصباً ولا عنفوياً، ولا يؤمن – بالانتقام والكراهية، وهي أخلاقيات رواياته أيضاً التي تقوم على الجانب الإنساني، من دون حاجته إلى الشعار السياسي والمنبرية الأيديولوجية التي تمكث في الأدب والفن مثل السوس، فتخرّبه، وتقصر من عمره الزمني والأدبي.

لهذا السبب يُقرأ غسان كنفاني إلى اليوم، وربما لهذا السبب جرى اغتياله على نحو أكثر من دموي في تفجير عبوة ناسفة في سيارته، وكانت معه في تلك اللحظة المرعبة ابنة أخته الطفلة. لم يجر اغتيال غسان كنفاني على خلفية سياسية كما قد تبادر إلى الكثيرين ممن كتبوا عن موته التراجيدي، وهو في مثل نقاء محمود درويش، لم يغرق في الشعارات والادعاءات ولغة الثورجية التي لم تقتل ذبابة كما يقول نزار قباني، بل كان بعيداً كل البعد عن الفساد السياسي الذي كان يطبع بعض الدوائر المحيطة به والمحيطة أيضاً بمحمود درويش. وبقي صاحب «عائد إلى حيفا» قابضاً على قلمه الأدبي والصحفي والأخلاقي، واعتبر أن الأدب بالطريقة التي يكتبه بها سيأخذه ذات يوم إلى حيفا، وأنه ذات يوم سيأتي من يطرق الخزان، وأن الحياة أوسع حدوداً من الموت، وهكذا، كان يكتب سردية، إنسانية أولاً وأخيراً تراهن على الجمال الذي ينتصر عادة على البشاعة والحقد، ولذلك جرى اغتياله.

يذكر الناقد د. إحسان عباس أن غسان كنفاني أهداه رواية «رجال في الشمس» وكتب في الإهداء:- «إلى الدكتور.. بالرغم من أن هذه الرواية لا تتعلق بالأندلس»، ويقول د.عباس إن هذه الصيغة، أي صيغة الإهداء كانت واحدة من تلك الدعابات التي كان يتبادلها وغسان كلما التقيا، إلا أن تلك الدعابة تشير إلى أن كنفاني، لم يكن أندلسياً بالمعنى الرومانسي الساذج الذي حمله بعض الكتاب الفلسطينيين والعرب، فجعلوا من «الأندلسية» حالة ثقافية ووجودية تراجيدية مكثفة في فكرة الحنين الغنائي وفقط، إنما كان كنفاني واقعياً تماماً، إنسانياً تماماً، ويعرف الطريق إلى حيفا، بالأمل، والإرادة، والحنين أيضاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n79rufc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"