حكمة أمريكية بألف عصفور

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

لحظة إطلاق النار على ترامب، اتجهت مشاهدتي للحادثة، تلقائياً، إلى الجمهور الجالس على المنصة وراء الرئيس السابق. لا صدمة ولا هروب ولا تدافع يحدث طبيعياً في مثل حالات العنف.. بقي الجمهور، وأغلبه يرتدي نظارات شمسية سوداء هادئاً وعادياً وهو يتابع المشهد بشيء من البرود. الرئيس يسقط على الأرض بشيء من البطء، لا كمن يتعرّض لإطلاق نار أو حالة إرهاب. وفي كل الأحوال، هي لحظة إرهاب أمريكية هذه المرّة. الشاب الذي أطلق النار على ترامب أمريكي خالص. في العشرين من عمره ولا يحب الجمهوريين، وليس من أصول عربية أو إفريقية. أبيض تماماً، وعلى الأرجح أنه أطلق النار من بندقية صيد للعصافير.

في لحظة «سينمائية» تماماً كهذه، سيبدو ترامب على نحو ما عصفوراً بريئاً. لا هو حمامة ولا صقر. مسكين يتعرّض لمحاولة اغتيال، وفي هذه الحالة سيكسب ذلك الشعور الاجتماعي الأمريكي الذي هو التعاطف، والأمريكي، بطبعه، يتعاطف مع القطة والكلب، فما بالك بالعصفور؟!

لحظة «أكشن» أمريكية بامتياز تجعل كاتباً شكّاكاً مثلي الآن، يشك في أن المشهد كلّه مجرد تمثيلية، أو «سيما» بالكلام الشعبي عند أهلي في مصر. ثم، ولِمَ لا؟ أليست أمريكا هي بامتياز بلد صناعة «الأكشن» ومسدسات رعاة البقر في «هوليوود»؟ ألا يبدو ترامب بشعره، وصوته، وحضوره المشبع بالقوّة والثراء «هوليوودياً» تماماً؟ أما المشهد بهذا الإخراج ففي حدّ ذاته يكشف عن سوء النية التي تذهب إلى القول بأن هذا «الأكشن السريع» ما هو سوى تمثيل... وتمثيل سريع، فقط 25 ثانية سقوطاً على الأرض. قطرات دم أعلى الأذن اليمنى للرئيس. لا صدمة ولا إغماء ولو إغماء مؤقت. ينهض «السوبرمان» الأمريكي، ويرفع يده إشارة على القوّة. تحيط به حارسات شرسات بثياب ونظارات سوداء. يحطن بالرجل الذي نزف قليلاً من الدم الذي شكل خيطاً تراجيدياً سائلاً نحو فمه، أما العربي الذي تابع هذه السيرورة المشهدية، فقد تذكر حارسات معمر القذافي، لكن القذافي ليس عصفوراً، ولم يكن يحب التمثيل... وأقصى ما ألهمه رعبه من شعبه أن وصف البشر بالجرذان. من زنقة إلى زنقة...

ولكن، أكان يمكن للرئيس جو بايدن أن يصنع خيالاً كمثل خيال ترامب؟ هذه تمثيلية ثقيلة على الرئيس الكهل. لا جسده، ولا صحته، ولا أعصابه تتحمل طلقة بندقية، حتى لو كانت بندقية عصفور.

بكلمات ملمومة، هذه هي أمريكا. تناقضات ومفارقات وتمثيل. جورج كلوني يتحول إلى صحفي، ويكتب افتتاحية «نيويورك تايمز».. يقول الصهر اللبناني مخاطباً بايدن: لا أحد يحارب الزمن والعمر. حكمة سينمائية أمريكية بألف عصفور.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ys9bsur

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"