آمال خفض الفائدة

22:23 مساء
قراءة 4 دقائق

جيمي ماكغيفر*

«صعود السلم المتحرك، وهبوط من حفرة المصعد»، مقولةٌ مستهلكة في سوق الصرف الأجنبي تصف التحركات النموذجية للدولار مقابل الين. وتحدث عندما تميل العملة الأمريكية إلى الارتفاع بشكل مطرد مع مرور الوقت، وعندما تتحول، يمكن أن تهبط بسرعة. وهي تنطبق بنفس القدر على أسعار الفائدة الأمريكية، وتصف ما قد نشهده من موجة غير عادية من التقلبات التي تتكسر على شواطئ الأسواق العالمية.

غالباً ما تتم دورات رفع أسعار الفائدة من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي تدريجياً، وفقاً ل «الوتيرة المدروسة» الشهيرة لرئيسه السابق آلان غرينسبان، ولكن ليس دورات الخفض.

ويُظهر التاريخ أن تخفيضات أسعار الفائدة غالباً ما تكون كبيرة وعدوانية وتفاعلية لأن صناع السياسات يضطرون إلى التراجع والاستجابة بشكل محموم للقوى المدمرة التي تخرج عن نطاق السيطرة، مثل الركود أو الاضطراب الشديد في الأسواق المالية، أو كليهما.

بعبارة أخرى، رغم أن الاقتصاد لم يحظى أبداً ب «هبوط ناعم» أسطوري وفعلي، واجه الاحتياطي الفيدرالي في كثير من الأحيان هبوطاً اضطرارياً وذلك لأن التخلف عن الركب سمة من سمات سياسته أكثر من كونها عيباً.

وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو أوستن غولسبي، إن وظيفة المركزي هي التصرف بطريقة ثابتة. وخلصت ورقة بحثية صادرة عن البنك في مايو بعنوان: «دروس من دورات التيسير النقدي السابقة»، إلى أن إدارة السياسة الناجحة تبدو أكثر ترجيحاً عندما يتصرف صناع السياسات في وقت مبكر، وبقدر أكبر من الاستباقية. ولكن على الرغم من نواياهم الجيدة، نادراً ما كان رد فعل صناع السياسات ثابتاً.

منذ عام 1990، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة 51 مرة، وخفضها 46 مرة. وقد يبدو هذا مفاجئاً بعض الشيء، نظراً لأن التضخم كان أقل من الهدف لمعظم ذلك الوقت. لكن تخفيضات الأسعار كانت أكثر عدوانية من الزيادات، وربما يكون ذلك مفهوماً في ضوء انهيار الدوت كوم، والأزمة المالية العالمية، وجائحة كوفيد-19. آنذاك، انخفض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى الصِفر تقريباً في اثنتين من هذه المشاهد، وفي إحداها، بقي ثابتاً لمدة سبع سنوات تقريباً.

وتم رفع الأسعار ربع نقطة مئوية 40 مرة، وبمقدار نصف نقطة مئوية أو أكثر 11 مرة. وحتى لحظة ارتفاع التضخم العالمي بعد الوباء، وحرب روسيا في أوكرانيا، صعد الفيدرالي بأسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس مرة واحدة فقط، كانت في نوفمبر 1994. لكنه فعل ذلك أربع مرات في أحدث دورة رفع بعدها. وهذا يقارن مع 28 خفضاً للأسعار بمقدار ربع نقطة منذ عام 1990، و11 خفضاً بمقدار 50 نقطة أساس، و7 ب 75 نقطة أساس.

لم يكن هناك سوى دورتي تخفيف أجراهما الفيدرالي في السنوات الأربعين الماضية يمكن وصفهما بالسلاسة والتدريجية، الأولى مطلع التسعينات، عندما تم تنفيذ معظم التخفيضات البالغة 525 نقطة أساس في مقاطع ربع نقطة. والدورة الثانية منتصف التسعينات، عندما تم تجنب الركود بثلاثة تخفيضات بمقدار ربع نقطة فقط على مدى ثمانية أشهر.

الواقع أن الفيدرالي ضحية لاستراتيجيته الخاصة في نواح كثيرة. فهو هيئة تتخذ القرارات استناداً إلى البيانات والإجماع، ولذا يتعين عليه أن يطّلع على البيانات الاقتصادية الصارمة أولاً قبل أن يتصرف. ونظراً لاعتماده في كثير من الأحيان على مؤشرات متأخرة، فإنه بحكم التعريف سوف يكون دائماً تقريباً «متخلفاً عن الركب». ويتلخص التحدي الذي يواجهه في ضمان ألا تطول فترة هذا التخلف.

يقول بوب إليوت، الرئيس التنفيذي لشركة «أنليميتد فاندز»، إن التكوين الأساسي للفيدرالي يعني أنه مؤسسة تفاعلية ذات قدرة محدودة على التنبؤ، لذا من الأفضل أن يراقب بدلاً من أن يتوقع، وأن يدير سياساته استناداً إلى توقعات الأسواق ومحاولة التقدم على الركب.

ولكن محللين آخرين، أقل تسامحاً، يزعمون أن من واجب الفيدرالي أن يكون استباقياً في معايرة السياسة بحيث تلبي هدفيه التوأمين «التشغيل الأقصى واستقرار الأسعار» و«ضمان الاستقرار المالي».

وبهذا الصدد يرى ديفيد بلانشفلاور، أستاذ الاقتصاد في كلية دارتموث وواضع أسعار الفائدة السابق في بنك إنجلترا، أنه من الخطير تجاهل البنوك المركزية جميع مؤشرات الركود، مثلما حصل عام 2008. وتراهم اليوم يحاولون اللحاق بالركب بعد طوفان البيانات السيئة.

فهل ستكون هذه المرة مختلفة؟ عندما نشر الفيدرالي ورقته البحثية المذكورة أعلاه في مايو، قدّرت سوق أسعار الفائدة حوالي 125 نقطة أساس من تخفيف البنك بين ذلك الوقت ونهاية عام 2025. ولكن كما لاحظ واضعو البحث، فإنه، مقارنة بالسجل التاريخي، مثل هذا التخفيف الضحل بعد عام ونصف تقريباً من بدء التيسير سيكون غير مسبوق.

الآن، تتراجع أسعار الأسهم وعوائد السندات بسرعة، ومؤشر الخوف والتقلبات في وول ستريت، «فيكس»، عند أعلى مستوياته على الإطلاق، باستثناء عامي 2008 و2020. وفي حالتين مشابهتين قبل عقود، تم خفض الأسعار إلى الصفر. ولو كان التاريخ دليلاً، لأخذنا الحيطة والحذر وتجنبنا السقوط في حفرة المصعد.

*كاتب متخصص في الاقتصاد وأسواق المال «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bd267j8c

عن الكاتب

كاتب في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"