«الين» و«اليوان» عند مفترق طرق

21:47 مساء
قراءة 4 دقائق

جيمي ماكغيفر*

تتباعد السياستان النقديتان، اليابانية والصينية، شيئاً فشيئاً عن بعضهما بعضاً، ما يعني أن العملات الآسيوية الأخرى قد تكون أيضاً عند مفترق طرق. فهل تستمد العملات، مثل الوون الكوري الجنوبي، والروبية الهندية، والروبية الإندونيسية، إشاراتها من الين القوي المدعوم بتوقعات تشديد السياسة من بنك اليابان، أم من اليوان المتدهور الذي يثقل كاهله حاجة بنك الشعب الصيني إلى تخفيف السياسة لتحفيز الاقتصاد المتعثر؟

حتى وقت قريب، كان الين واليوان مرتبطين ببعضهما بعضاً، حتى أن كليهما تعرض لضغوط بيع شديدة، بعد أن تسببت توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي المستمرة لأسعار الفائدة في «الارتفاع لفترات طويلة»، بصعود قيمة الدولار الأمريكي، لكن هذه العلاقة اليوم وتوقعات أسعار الفائدة تغيرت.

وبين أواخر إبريل/ نيسان، ومنتصف يوليو/ تموز، تعزز الارتباط البسيط المتحرك لمدة 30 يوماً، بين الين واليوان بشكل مطرد، إلى أعلى مستوياته الإيجابية في 10 أشهر. ولكن الاتجاه انعكس لاحقاً.

ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أن المركزي الصيني فاجأ الأسواق قبل أسبوعين تقريباً، بخفض أسعار الفائدة الرئيسية. بعد ذلك تم تثبيت اليوان، الذي يخضع لسيطرة البنك المركزي بشكل محكم، عند أضعف مستوى مقابل الدولار، هذا العام. كما وصلت عائدات السندات الصينية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، والضغوطات على سعر الصرف هبوطية بقوة.

في الوقت نفسه، قفز الين بنحو 8% من أدنى مستوياته في 38 عاماً، مقابل الدولار. وواصل بنك اليابان رفع أسعار الفائدة التاريخي الذي بدأه في مارس/ آذار، وهو الأول منذ 17 عاماً، بزيادة أكبر من المتوقع قبل أسبوع تقريباً، مشيراً إلى التزامه بإنهاء سياسة التيسير المفرط المستمرة لعقود خلت.

وبالطبع، كان تدخل طوكيو، وإنفاقها مبلغاً قياسياً بنحو 100 مليار دولار في محاولة لوقف انحدار العملة في الأشهر القليلة الماضية، كافياً لوضع حد أدنى لها. والواقع أن نهج بنك اليابان في رفع أسعار الفائدة ليس متفائلاً على الإطلاق. وعلى هذا النحو، لم يعد الرهان المؤكد على تعزيز قوة الين مضموناً مثل السابق. لكن الواضح أكثر هو الاختلاف الصارخ في السياسة مع الصين، والذي يُعكر صفو العملات الآسيوية الأخرى.

ومن خفض قيمة العملة الصينية بشكل طفيف في عام 2015، إلى بداية دورة رفع أسعار الفائدة الأخيرة من قِبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، كانت العملات الآسيوية أكثر حساسية للدولار مقابل اليوان، منها للدولار مقابل الين، بخاصة الوون الكوري الجنوبي، والروبية الهندية، والرينغيت الماليزي، والدولار التايواني. وحتى الروبية الهندية، العملة الآسيوية الأقل تأثراً باليوان، لا تزال أكثر حساسية بثلاث مرات لحركات العملة الصينية من العملة اليابانية.

ومع ذلك، بمجرد أن بدأ الفيدرالي بتشديد السياسة النقدية عام 2022، تأثرت العملات الآسيوية في الأغلب بالارتفاع غير العادي في القيمة بين الدولار، والين. ووفقاً للمحللين في «غولدمان ساكس»، تظهر الارتباطات الأطول أجلاً أن تأثير الين في العملات الآسيوية ارتفع بشكل كبير، عندما بدأت أسعار الفائدة الأمريكية بالارتفاع. ولكن هذا الارتباط تلاشى منذ توقف المركزي الأمريكي عن رفع أسعار الفائدة، قبل عام.

وبالتالي، بحسب التقرير، فإن الرابط بين الدولار الأمريكي واليوان الصيني أكثر أهمية لسوق الصرف الأجنبي في آسيا من الرابط بين الدولار الأمريكي والين الياباني.

وعليه، إذا ظل اليوان ضعيفاً، فقد تظل العملات الآسيوية ضعيفة أيضاً، حتى مع تأثير دورة تخفيف بنك الاحتياطي الفيدرالي على الدولار.

وربما لا تكون هذه أخبار سيئة، نظراً للصراعات الاقتصادية في الصين، والتباطؤ المحتمل للنمو في الولايات المتحدة، فقد ترحب العواصم الآسيوية بأسعار الصرف الأضعف أكثر من مخاوفها من العواقب التضخمية. ومن غير المرجح أيضاً أن تغضب بكين كثيراً إذا تباعد اليوان والين.

ومنذ بداية الوباء في مارس/ آذار 2020، انخفضت قيمة العملة اليابانية بنحو 30% مقابل اليوان الصيني. أو بعبارة أخرى، على أساس سعر الصرف التبسيطي، أصبحت السلع اليابانية أرخص بنسبة 30% خلال تلك الفترة، مقارنة بالسلع الصينية المكافئة في السوق الدولية.

في غضون ذلك، تواجه الصين أيضاً شبح تصاعد النزاع التجاري مع الولايات المتحدة. فقد أعقبت الحرب التجارية بين البلدين خلال رئاسة دونالد ترامب، سياسات حمائية لإدارة الرئيس جو بايدن، وتلوح في الأفق اليوم سحابة قاتمة من التعريفات الجمركية الأمريكية الأثقل بكثير، إذا ما عاد الرئيس السابق إلى البيت الأبيض، بعد انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني.

فخلال الفترة بين عامي 2017 و2023، انخفضت واردات الولايات المتحدة من الصين بنسبة 8% من حيث الإجمالي، وفقاً ل «أكسفورد إيكونوميكس». في مقابل ذلك، ارتفعت حصة الواردات الأمريكية من أوروبا، والمكسيك، وفيتنام، وتايوان، وكوريا الجنوبية. وفي السياق ذاته، شهدت هذه البلدان، بخاصة فيتنام، ارتفاع وارداتها من الصين كنسبة من الإجمالي خلال الفترة نفسها.

وستسعى الصين جاهدة لضمان استمرار تعويض أي تدهور في العلاقات التجارية الثنائية بينها وبين الولايات المتحدة، في أماكن وأسواق أخرى. وضعف «اليوان»، مقارنة بمنافسه الإقليمي الرئيسي الصاعد «الين»، قد يكون قوة لبكين في هذه المرحلة.

*كاتب صحفي في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mp9vmcde

عن الكاتب

كاتب في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"