2017 نتيجة لخيارات 2016

23:44 مساء
قراءة 4 دقائق
د. لويس حبيقة

السياسات الاقتصادية الأمريكية التي ستؤثر في العالم أجمع نظراً لحجم الاقتصاد وترابطه الدولي مع معظم الاقتصادات حيث يريد الرئيس ترامب تخفيف العجز التجاري لكن كل ما سيفعله من سياسات سيقوي سعر صرف الدولار في الأسواق وبالتالي يسيء إلى الصادرات والعجز نفسه

لم يكن الانتقال بين سنتين متتاليتين أهم وأخطر مما هو الحال اليوم. كانت سنة 2016 سنة المفاجآت على أكثرية الصعد، وستكون السنة الجديدة استمراراً، بل تتويجاً للقرارات الكبيرة التي اتخذت، خاطئة أم صحيحة. أهم هذه القرارات اتخذ من قبل قيادات لم تعد سياسياً موجودة، ما يشير إلى وجود صفحة جديدة في الاقتصاد الدولي لن تكون سهلة. فرضت هذه القرارات الكبيرة تغييراً في القيادات التي لم تحسن التصرف أو التنبؤ في معظم الأحيان. من الصعب على أي قيادة جديدة تنفيذ قرارات كبيرة اتخذت من قبل، خاصة إذا لم تقتنع بها، وهذا هو حال رئيسة وزراء بريطانيا التي ستنفذ «البريكست» علماً بأنها كانت مع بقاء بريطانيا في الوحدة الأوروبية. ووضعت نفسها في مأزق لا تحسد عليه. ما هي أبرز قرارات 2016 وكيف ستنعكس على العالم والمناطق والدول في السنة الجديدة:
أولاً: لا بد من أن نبدأ من الولايات المتحدة، حيث انتخب الأمريكيون «دونالد ترامب» رئيساً، وسيحكم بدءاً من 2017 وسيغير العديد من السياسات والقرارات التي وضعها أوباما. ويمكن اختصار سياسة أوباما بإبعاد أمريكا عن الحروب، وتصحيح العلاقات مع الدول النامية، وإظهار واقع هو أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون دولة صديقة حتى للدول التي تعادي «إسرائيل». ومن يعقد اتفاقاً دولياً لرفع العقوبات عن إيران، وحل مشكلة النووي، ومن يزور كوبا ويفتح سفارة فيها يعطي جواً جديداً هو جو السلم والسلام، أي أمريكا القلب، كما العقل، وليس أمريكا القوة فقط، التي يريدها العديد من الأمريكيين. مع قانون الصحة والقوانين المالية الجديدة، كما مع الانفتاح على كل الدول بما فيها الإفريقية، عاد النمو إلى الاقتصاد في الربع الثالث من 2016 فوصل إلى 3%. وفرض هذا الواقع على المصرف المركزي رفع الفائدة الأساسية تجنباً للتضخم.

ثانياً: السياسات الاقتصادية الأمريكية التي ستؤثر في العالم أجمع نظراً لحجم الاقتصاد وترابطه الدولي مع معظم الاقتصادات. ويريد الرئيس ترامب تخفيف العجز التجاري، لكن كل ما سيفعله من سياسات سيقوي سعر صرف الدولار في الأسواق، وبالتالي يسيء إلى الصادرات والعجز نفسه. يريد علاقات طبيعية مع الصين، فيدعو إلى تصحيح الخلل في رأيه لكن في الوقت نفسه يعين في المراكز الأساسية أشد الناس عداء للصين. ومن المتوقع أن تؤدي علاقاته مع الصين إلى سحب بعض الاستثمارات الأمريكية منها، وإلى عدم ذهاب أخرى إليها، ما يعني أن الأسعار في أمريكا سترتفع، وبالتالي سيكون هنالك حاجة لرفع الفائدة مجدداً لمحاربة التضخم، ما ينعكس سلباً على الاستثمارات والبطالة.ثالثاً: هنالك تخبط واضح في بريطانيا بشأن «البريكست» إذ في رأينا تشير الوقائع إلى بعض الندم تجاه هذا الخيار، وليس بسهولة قلبه. يحاول البريطانيون نقل المشكلة إلى القضاء الذي عليه أن يبت إذا ما كان هنالك من ضرورة لتصويت مجلس النواب على الموضوع. كلنا نعلم بأن أعضاء مجلس العموم في أكثريتهم مع بقاء بريطانيا في الوحدة الأوروبية، وبالتالي ربما تشكل هذه البدعة مخرجاً مناسباً وقانونياً للتغيير. الموضوع ليس سهلاً، ولا ينقضه في الحقيقة إلا استفتاء ثان ربما يسمح للبريطانيين بتغيير رأيهم. وإذا نظرنا إلى الإحصاءات المتوافرة، نرى أن 44% من الصادرات البريطانية تذهب إلى أوروبا و53% تأتي منها، أي علاقات قوية بفضل الاتفاقيات والتاريخ والمصالح المشتركة. من الصعب سلخ بريطانيا عن أوروبا، وهذا يتطلب اتفاقيات جديدة، ربما تحصل أو لا تحصل.

رابعاً: لا بد من أن يقلق المتابع للتطورات الأوروبية من تسبب انقلابات سياسية خطرة. ما حصل في إيطاليا من خيارات ضد الإصلاحات الدستورية أطاح رئيس الوزراء من دون أن يطيح حزبه في الحكم حتى الآن. جميع الاستفتاءات الفرنسية تشير إلى تقدم اليمين المتطرف شعبياً، وبالتالي إمكانيه فوز «مارين لو بن» في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا إذا تكتل الجميع ضدها. فوزها سيعني أقله القضاء على اتفاقية «شنغن» والخروج من النقد الواحد، وإلغاء العديد من الاتفاقيات الدولية، كما أنها تحمل رسالات عداء مسيئة ضد الأقليات، والأعراق، والألوان، والأديان، وغيرها. انتخابات عدة أخرى ستحصل في دول أوروبية يمكن أن تقلب الأوضاع رأساً على عقب.

خامساً: من المناطق الساخنة جداً في العالم هي أمريكا اللاتينية، حيث تتوسع الساحات، ليست الأمنية، بل السياسية والاقتصادية. وتشكل فنزويلا مضرب مثل في الفشل، وسوء الأداء في دولة غنية جداً. وكوبا تتعافى إذا لم يأت شيء سلبي جديد من الشمال الأمريكي. وقد نجح الرئيس الكولومبي في توقيع اتفاقية سلام مع الثوار لكنها تحتاج إلى موافقة مجلس النواب بعد أن أخذ الرئيس درساً قاسياً من الاستفتاءات الشعبية السابقة.سادساً: في المنطقة العربية، المشكلات لا تحصى ولا تعد. هنالك خلافات كبيرة في الداخل العربي تنعكس سلباً على الاستثمارات والنمو. انخفاض سعر النفط يحدث خللاً كبيراً في السياسات، حيث كان الاتكال سابقاً على المحروقات، ولم يعد ممكناً الاستمرار به. هنالك سياسات جديدة مهمة وضعت كرؤية 2030 السعودية التي ستعطي ثماراً مع الوقت.
سابعاً: أخيراً وليس آخراً، يعاني العالم مشكلة الفساد التي تسيء إلى المواطن العادي، وتمنع الحكومات من تأدية واجباتها تجاه الشعب. الفساد يزداد عالمياً، وللأسف يتم انتخاب بعض من الفاسدين في بعض الدول، فكيف يقضون على الفساد، أي على مصدر رزقهم؟ ما نعرفه ونسمعه ونقرأه من فساد في إفريقيا والدول النامية عموماً، يؤدي إلى نتيجة واحدة هي إفقار الفقير، وذل المواطن فيها، وضرب مستقبله. العهد الجديد اللبناني واعٍ لهذه المشكلة، وواعد بالحلول، والمطلوب إجراءات عملية تعاقب أهم الفاسدين، إذ لا معنى للكلام من دون حساب، وهذا ما لم ننجح في تحقيقه حتى اليوم في لبنان. إجراء محاسبة واحدة عادلة وصارمة تحسن الكثير ولا بد منها. ولا يمكن معاقبة الموظف الصغير غير المحمي سياسياً كما جرى سابقاً، فنحن لا نحتاج إلى «كبش محرقة»، بل إلى معاقبة جريئة لرموز الفساد وأدواتهم. اللبنانيون يعرفون من هم، لكننا بحاجة إلى الإجراءات القانونية الضرورية العاجلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"