تداعيات ضريبة الكربون

21:38 مساء
قراءة 4 دقائق

فانس جين*

عاد الضغط لفرض ضريبة الكربون مجدداً إلى الواجهة العالمية، مع تكثيف الإنفاق المالي المتوقع لعام 2025 في اجتماعات تغير المناخ. حيث يرى أنصار البيئة أن هذا هو الحل لدفع تكاليف الإنفاق الزائد مع الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري للكوكب. لكن مع ذلك، تبقى الضريبة سياسة مثيرة للجدل ومكلفة للغاية.
وتشبه ضريبة الكربون في تخصّصها ضريبة الدخل أكثر من ضريبة الاستهلاك؛ لكونها تستحوذ على جميع أشكال العمل، بما في ذلك إنتاج السلع الرأسمالية وبناء المباني. وبما أن هذه القطاعات كثيفة انبعاثات الكربون، فإن الضريبة تثقل كاهلها بشكل غير متناسب، وتخنق الاستثمار والابتكار، تماماً مثل ضريبة الدخل التصاعدية، ولكن مع تداعيات اقتصادية أوسع.
فعلى سبيل المثال، يمثل قطاع البناء وحده في الولايات المتحدة نحو 40% من الانبعاثات على مستوى الدولة. ومن شأن ضريبة الكربون أن تعاقب هذه الصناعة بشدة، وبالتالي الحد من قدرتها على النمو وتوليد مساكن جديدة وفرص عمل. كما أن تطبيق الضريبة ينطوي على مليارات الدولارات من التكاليف الإدارية سنوياً، فتحديد الانبعاثات الصافية عملية دقيقة تخضع لتعريفات متغيرة وتعسفية، وهو عبء يقع في نهاية المطاف على الشركات ومن بعدهم المستهلكين، من خلال ارتفاع الأسعار، وخمول النشاط الاقتصادي، وقلة الوظائف.
قد يحدث هذا في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي أصلاً من تكاليف تنظيمية تبلغ 3 تريليونات دولار سنوياً، بما في ذلك الكثير من القيود المتعلقة بالطاقة، كما أضافت إدارة بايدن أكثر من 1.6 تريليون دولار لهذه التكاليف منذ توليها زمام الأمور.
إن أحد المبادئ الأساسية للرأسمالية في السوق الحرة هو أنها تأتي مع تنظيمات حكومية محدودة. وتتناقض ضريبة الكربون مع هذا المبدأ من خلال توسيع التنظيم الحكومي للأنشطة الاقتصادية اليومية. كما أن عائدات الضرائب ستسمح بمزيد من الإنفاق المفرط، على الرغم من أن هذا أمر مشكوك فيه، نظراً لأن الغرض المفترض من الضريبة هو تقليل انبعاثات الكربون، وبالتالي الضرائب التي يتم جمعها.
كما أن ضريبة الكربون قد تسترعي الحكومة لتفضيل بعض أساليب الإنتاج على غيرها، من خلال اختيار الفائزين والخاسرين وفق وسائل محددة، الأمر الذي يعطل تكافؤ الفرص الذي تزدهر فيه الأسواق الحرة، ويؤدي إلى انعدام الكفاءة، ويصيب الأسواق بتشوهات مزمنة، ويقوّض أيضاً المنافسة والنمو الاقتصاديين. ومن المرجح أن تتلقى مشاريع الطاقة المتجددة معاملة سياسية تفضيلية، ما يحرف الاستثمارات بعيداً عن التقنيات الأكثر كفاءة وعملية في السوق.
وغالباً ما يتم الاستشهاد بضرائب «بيجوفيان»، التي تهدف إلى تصحيح التأثيرات الخارجية السلبية، لدعم ضريبة الكربون. وقد سُميت هذه الضرائب على اسم الخبير الاقتصادي آرثر بيجو، وهي مصممة لتصحيح التأثيرات السلبية للتأثيرات الخارجية من خلال فرض تكاليف تعادل الضرر الخارجي. لكنها قد تكون عكسية؛ لأنها تمثل معدلاً ضريبياً خاطئاً يشوه النشاط الاقتصادي.
في غضون ذلك، تفشل ضرائب الكربون في مراعاة التفاعلات الاقتصادية المعقدة والعواقب غير المقصودة. وعلى سبيل المثال، يقترح قانون «PROVE It» إطاراً جديداً لضريبة الكربون ولكنه يفتقر إلى أساس واضح ومتسق وسليم علمياً للتنفيذ. وهذا الغموض يرفع من مخاطر الاضطراب الاقتصادي وزيادة تكاليف المستهلك.
كما أنه هناك قضية حاسمة أخرى في النقاشات الدائرة حول ضريبة الكربون وهي «من الذي يقرر؟» فعلم المناخ يتطور باستمرار، والنماذج الاقتصادية التي تتنبأ بنتائج ضرائب الكربون محفوفة بعدم اليقين. وبالتالي، فرض تكاليف عالية على المستهلكين على أساس علم غير مستقر وتأثيرات اقتصادية غير متوقعة لا يُعدّ نهجاً سياسياً حكيماً، وعلينا تعزيز التدابير الطوعية والتقدم التكنولوجي الذي يقلل بشكل طبيعي من الانبعاثات من نشاط السوق.
من المهم أن وكالة حماية البيئة لا تعتبر ثاني أكسيد الكربون ملوثاً ضاراً بالمعنى التقليدي؛ لأنه ضروري للحياة. فنحن بحاجة إلى ثاني أكسيد الكربون للتنفس والاستمتاع بحياة مرضية. وهذا يثير المزيد من التساؤلات حول الأساس المنطقي وراء فرض ضريبة على انبعاثات الكربون؛ لأنه يزيد الضغوط الاقتصادية غير المبررة في محاولة لتنظيم عنصر طبيعي ضروري.
وحتى لو لم تكن أمريكا أفضل من الدول الأخرى التي انضمت إلى معاهدة باريس لتحقيق أهداف بشأن انبعاثات الكربون، لكنها تضع المزيد من التكلفة غير الضرورية لخفض الانبعاثات على الأمريكيين. وفي فرنسا نفسها، أشعلت ضريبة الكربون احتجاجات واسعة النطاق واضطرابات اقتصادية، وهو ما يوضح التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تفرضها مثل هذه السياسات.
وعليه، سيؤدي ارتفاع تكاليف الإنتاج، المقرونة نسبياً بتكلفة ضرائب الكربون الكبيرة، إلى نمو أسعار السلع والخدمات، وتقويض الفوائد البيئية المزعومة، ووضع عبء أثقل على أولئك الأقل قدرة على تحملها. وهو ما يؤثر بشكل غير متناسب على الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، التي تعاني أساساً من شبح التضخم. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي ضريبة الكربون البالغة 50 دولاراً للطن إلى زيادة تكاليف الطاقة المنزلية بما يصل إلى 300 دولار سنوياً.
إن فرض ضريبة كربون لا تخاطب الأسواق أو تأخذ نموها وتقدمها بعين الاعتبار أمرٌ مقلق. وبدلاً من ذلك، ينبغي التركيز على الحلول الموجهة لدعم الرفاه الاقتصادي، وتشجيع الإبداع والكفاءة دون فرض لوائح صارمة.
*مؤسس ورئيس شركة «جين للاستشارات الاقتصادية»، وباحث في المعهد الأمريكي للبحوث الاقتصادية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr29pwp3

عن الكاتب

مؤسس ورئيس شركة «جين للاستشارات الاقتصادية»، وباحث في المعهد الأمريكي للبحوث الاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"